فصل: الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الواردة على الأبواب الشريفة السلطانية بالديار المصرية ممن جرت العادة بمكاتبته إليها من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الفصل الخامس من الباب الثاني من المقالة الرابعة في الكتب الواردة على الأبواب الشريفة السلطانية بالديار المصرية ممن جرت العادة بمكاتبته إليها من أهل المملكة وغيرها من سائر الممالك:

المكاتبة عن هذه المملكة وهي نوعان:

.النوع الأول: المكاتبات الواردة عن ملوك المسلمين:

وهي على قسمين:

.القسم الأول: في الكتب الواردة عن أهل هذه المملكة بالديار المصرية والبلاد الشامية ممن يؤهل للمكاتبة إلى الأبواب السلطانية من النواب وغيرهم من الأمراء وأرباب الأقلام من الوزراء والعلماء ومن في معناهم:

وهم على ضربين:
الضرب الأول في المطالعات الواردة عن أكابر أهل الدولة بالديار المصرية والبلاد الشامية من النواب ومن في معناهم:
قد جرت عادة من يكتب إلى الأبواب السلطانية من أهل هذه المرتبة، أن يكتب جميعهم كتبهم في قطع العادة فإن كان بالديار المصرية فمن الورق البلدي، وإن كان بالبلاد الشامية، فمن الورق الشامي وجميع ذلك في الورق الأبيض إلا نائب الشام ونائب الكرك، فإنهما قد جرت العادة فيهما بأنهما يكتبان إلى الأبواب السلطانية في الورق الأحمر الشامي، شيء اختصا به دون سائر أهل المملكة.
ثم قد ذكر في عرف التعريف أن الملوك لا يكتب إليهم إلا يقبل الأرض وينهي. ويختم الكتاب بما صورته: طالع المملوك بذلك وللآراء العالية مزيد العلو أو أنها الملوك ذلك وللآراء العالية مزيد العلو، والعنوان الملكي الفلاني، مطالعة المملوك فلان، وحينئذ فالذي جرت به العادة في ذلك أن يبتدئ الكاتب فيكتب فهرست الكتاب في رأس الدرج من جهة وجهه، في عرض إصبع في الجانب الأيمن إلى الأبواب الشريفة وفي الجانب الأيسر بسبب كذا وكذا ثم يقلب الدرج ويكتب في ظاهره، بعد ترك ما كتب الفهرست في باطنه، العنوان فيكتب: الملكي الفلاني في أول العنوان ومطالعة المملوك فلان، في آخره ثم بعد ذلك يقلب الدرج ويترك وصلاً أبيض ويكتب البسملة في رأس الوصل الثاني بعد خلو هامش من الجانب الأيمن ثم يكتب تحت البسملة ملاصقاً لها ما صورته الملكي فلاني، بحيث يكون آخر الملكي الفلان، مسامتاً لجلالة البسملة، بلقب السلطان، كأنه ينسب نفسه إلى سلطانه ثم يكتب صورة المكاتبة على سمة البسملة في سطر ملاصق للملكي الفلاني يقبل الأرض وينهي كذا وكذا فإن كان ابتداء كتب وينهي أن الأمر كذا وكذا ويأتي بمقاصد المكاتبة، فإن كانت فصلاً واحداً ذكره وختم الكتاب بآخر كلامه، وإن كان الكتاب مشتملاً على فصول أتى بالفصل الأول إلى آخره، ثم يخلي بياضاً قدر خمسة أسطر ثم يسرد الفصول بعد ذلك فصلاً فصلاً، يخلي بين كل فصلين قدر خمسة أسطر أيضاً، ويقول في أول كل فصل المملوك ينهي كذا وكذا وإذا أتى على ذكر السلطان قال: خلد الله سلطانه، أوخلد الله ظله، أو أتى على ذكر المرسوم الشريف قال: شرف الله وعظمه ونحو ذلك إذا سأل في مرة قال: والمعلوم يعرض على الآراء الشريفة كذا وكذا، أو أن اقتضت الآراء الشريفة كذا وكذا فلها مزيد العلو ولا يقال: يسأل الصدقات الشريفة إلا في أمر جليل أو شيء مهم، والعرض أبلغ في الأدب ولا يلقب أحداً بالجناب والمجلس ومجلس الأمير، وإذا ذكر كبيراً في الدولة كالنائب الكافل، ونائب الشام أو نائب حلب، أو أمير كبير، قال: أن مملوك مولانا السلطان خلد الله ملكه الأمير فلان الدين فلان الناصري مثلاً، كافل الممالك الشريفة، أو نائب السلطنة الشريفة بالمملكة الشامية المحروسة أو كافل المملكة الشامية المحروسة أو نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة، أو أمير فلان الدين فلان الناصري مثلاً، أو القاضي فلان الدين، أو ناصر الجيوش المنصورة بالأبواب الشريفة، وما يجري هذا المجرى ولا يدعى في المطالعة لأحد. وإذا انتهت الفصول إلى آخرها، قال: وقد جهز المملوك بمطالعته هذه مملوكه فلاناً السيفي مثلاً الماثل بها. وإن كان ثم مشافهة قال: وقد حمله مشافهة يسأل المسامع الشريفة سماعها إن اقتضت ذلك، أو ينهيها إلى مسامع الشريفة إذا رسم له بإنهائها، طالع بذلك، أو أنهى ذلك.
ثم قد جرت عادة النواب بالبلاد الشامية أن يقدموا في صدر المكاتبة ما اشتمل على أخبار البلاد الشرقية من مملكة إيران المجاورة لأواخر هذه المملكة، من تجدد أمر أو حركة عدو أو حكاية حال مهمة من أحوال تلك البلاد مثل أن يقال في أول المكاتبة: وينهي أن قصاده عادوا من البلاد الشرقية مخبرين بكذا وكذا ويشرح الحال التي أخبرها قصاده.
وإن كان الخبر نقلاً عن نائب من نواب الأطراف كالرها ونحوها، قال: إن مطالعة نائب فلانة ووردت بكذا وكذا ويذكر ما تضمنته ملخصاً، وإن كانت المطالعة جواب مثال شريف ورد فقط، قال: وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي بالأبواب الشريفة يتضمن ما اقتضته المراسيم الشريفة أو ما اقتضته الآراء الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها من كذا وكذا ويذكر نص المثال الشريف حرفاً حرفاً، ثم يقال: وتفهم المملوك ما رسم له به، وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى شرفها بتكرار تقبيل الأرض والامتثال، وتقدم بكذا إن كان الأمر مما نفذ أو والذي ينهيه المملوك كذا وكذا إن كان الأمر قد توقف.
ثم إن كان النائب عظيم القدر كنائب السلطنة الشريفة بالشام أو حلب جعل بعد ما بين كل سطرين تقدير رأس إصبع وإن كان دون ذلك جعل ما بينهما أقل من ذلك، حتى ينتهي في أقل الرتب إلى ملاصقة السطور بعضها ببعض. وإن كانت المطالعة في أمر مهم كاستقرار نائب أو بشارة بفتح أو نحو ذلك أتى بجميع الكتاب مسجعاً وإلا فلا. وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام ابتداء.
يقبل الأرض وينهي أنه ورد على المملوك مكاتبة نائب السلطنة الشريفة بحلب المحروسة، يذكر فيها أن قصاده عادوا من جهة بلاد الشرق وأخبروا أن العدو المخذول فلاناً قد خرج عليه عدو من ورائه وقصد بلاده فكر راجعاً إليه بعد أن كان قاصداً هذه الجهة وأحب المملوك إحاطة الخواطر الشريفة بذلك.
المملوك ينهي أن مطالعة نائب الرحبة المحروسة وردت على المملوك يخبر فيها أن فلاناً التركماني قد عاد إلى الطاعة الشريفة ولاذ بمراحم الأبواب العالية، وأنه ما كان حمله على ما وقع منه من عدم المقابلة إلا الخوف من السطوات الشريفة، وأنه يسأل كتابة أمانٍ شريف له ولجماعته ولمن يليه بأن يكونوا آمنين على أنفسهم وأموالهم وسائر ذات يدهم، وأنه إذا وصل إليه الأمان قصد الأبواب السلطانية وتمثل بالمواقف الشريفة، وامتثل ما تبرز به الأوامر المطاعة في أمره وأمر جماعته والمملوك ينظر ما يرد به الجواب الشريف في أمره لكاتب نائب الرحبة المحروسة بما يعتمده في أمره.
المملوك ينهي أنه قد بلغ المملوك أن البحر مشغول بمراكب الفرنج ولم يعلم إلى أي مكان يقصدون، وقد أخذ المملوك في الاحتراز على السواحل المذكورة بإقامة المركزين وأمرهم بالاحتراز والاحتفاظ وقد عرض المملوك ذلك على الآراء العالية ليكون ذلك على الخواطر الشريفة، ويكاتب النواب بالبلاد المجاورة للبحر.
المملوك ينهي أن الأمير فلاناً الفلاني، أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة قد توفي إلى رحمة الله تعالى والمملوك يسأل الصدقات الشريفة في استقرار إمرته باسم مملوك مولانا السلطان عز نصره، ولد المملوك فلان، إعانة له على الخدمة الشريفة وجبراً لخاطر المملوك، فإن حسن ذلك بالآراء الشريفة وإلا فللرأي العالي مزيد العلو.
المملوك ينهي أن الأمير فلان الدين فلاناً، أمير حاجب الشام المحروس، كان قد برزت المراسيم الشريفة باستقراره في نيابة صفد المحروسة، وقد توجه إلى محل نيابته، والمملوك يعرض على الآراء الشريفة إن حسن بالرأي الشريف أن يستقر في الوظيفة المذكورة الأمير فلان الدين فلان، أحد الأمراء الطبلخاناه بدمشق المحروسة، فإنه كفء لذلك، أو يستقر من تبرز به الآراء الشريفة.
المملوك ينهي أن فلاناً: أحد رجال الحلقة المنصورة بدمشق المحروسة، قد درج بالوفاة، وقد كتب المملوك مربعة باسم فلان الدين فلان باستقراره على إقطاعه، وجهزها على الأبواب الشريفة لتعرض على الآراء العالية، فإن حسن بالرأي الشريف إمضاؤها وإلا فيستقر على إقطاعه من تبرز المراسيم الشريفة باستقراره، وقد جهز المملوك هذه المطالعة على يد مملوكه فلان على الأبواب الشريفة. طالع بذلك إن شاء الله تعالى. ثم يكمل.
وهذه نسخة مطالعة عن نائب الشام أيضاً، في جواب مكاتبة شريفة وردت عليه وهي:
يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان البريدي، بالأبواب الشريفة، يتضمن أن المرسوم الشريف اقتضى الاجتهاد والاهتمام في حفظ السواحل والمواني، وإقامة الأيزاك والأبدال في أوقاتها على العادة، وإلزام أربابها بمواظبتها، وإلزام المنورين بالديدبانات والمناظر والمناور في الأماكن المعروفة وتعهد أحوالها وتفقدها، وتقويم أحوالها بحيث يقوم أحوالها على أحسن العوائد وأكملها ولا يقع على أحد درك بسببها وإن المملوك يتقدم باعتماد ما اقتضاه المرسوم الشريف من ذلك مع مضاعفة الاحتفال بذلك والمبادرة إليه، فوقف المملوك على المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه وتفهم ما رسم له به وقابل المراسيم الشريفة زاد الله تعالى شرفها بالامتثال وتقدم باعتماد ما اقتضته المراسيم الشريفة من ذلك، وأخذ في حفظ السواحل والمواني وإقامة الأيزك والأبدال، وإلزام أربابها بمواظبتها وإلزام المنورين بالديدانات والمناظر فقامت الأحوال على أحسن العوائد، وجرت على أكمل القواعد ولم يكن عند المملوك غفلة عما هو بصدده من ذلك، وقد أعاد المملوك فلان الدين فلاناً البريدي المذكور بهذه المطالعة ليحصل على الوقوف عليها. طالع بذلك.
وهذه نسخة مطالعة تشتمل على ابتداء وجواب، يقبل الأرض وينهي أنه قد حضر رسول من القان فلان بالمملكة الفلانية وقصده التوجه إلى الأبواب الشريفة والمملوك يعرض على الآراء العالية أمره، فإن أذن له في التوجه إلى أبوابه الشريفة جهزه المملوك إليه على العادة.
المملوك ينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه ورد على المملوك على يد فلان الدين فلان المسفر من الأبواب الشريفة يتضمن طلب فلان الفلاني وحمله إلى الأبواب الشريفة محتفظاً به، فبادر المملوك ما برزت به المراسيم الشريفة بالامتثال وتقم بطلب فلان المذكور وسلمه إلى فلان الدين المسفر المذكور، وبعث معه من يحتفظ به في الطريق إلى حين وصوله إلى الأبواب الشريفة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الملكي الظاهري مثلاً يقبل الأرض وينهي أن المرسوم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه، ورد على المملوك، على يد فلان الدين فلان البريدي، ويكمل عليه على آخره.
الضرب الثاني من المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل المملكة ومن في معناهم:

.القسم الثاني في الكتب الواردة على الأبواب السلطانية عن أهل الممالك الإسلامية المكاتبة عن هذه المملكة:

وحالها مختلف باختلاف حال مصطلح أهل البلاد وحال المكتوب عنه في رفعة القدر. وفائدة معرفة ذلك أنه إذا عرف الكاتب مصطلح كل مملكة في الكتابة، ظهر له ما هو وارد عن ملكها حقيقة وما هو مفتعل عليه، ولا يخفى ما في ذلك من كبير الفائدة وعظيم النفع وارتفاع قدر الكاتب عند ملكه بإظهار الزيف بمحك المعرفة.
ومن غريب ما وقع في هذا المعنى أنه ورد رسول من الشرق في الأيام الظاهرية الشهيدية برقوق سقى الله تعالى عهده وأظهر لأهل الطرقات أنه رسول من عند طقتمش صاحب بلاد أزبك، ورفعت بطاقته بالقلعة المحروسة بذلك فأمر السلطان النائب الكافل وأكابر الأمراء بالخروج لملاقاته على القرب من القاهرة، فخرجوا وتلقوه بالتعظيم، على أنه رسول طقتمش خان المقدم ذكره، وأنزل بالميدان الكبير تعظيماً لأمره فلما عرض كتابه نظر فيه المقر البدري بن فضل الله، تغمده الله تعالى برحمته وهو يومئذ صاحب ديوان الإنشاء الشريف، فوجده غير جار على مصطلح كتب القانات في الورق والكتابة، فاستفسر الرسول المذكور عن ذلك ونوقش في قضيته، فأخبر أنه عن الحاكم بالقرم من أتباع طقتمش خان، فأنكر عليه ذلك، وحط رتبته عن السلطان وأهل دولته عما كان عليه، وعلا بذلك مقدار المقر البدري بن فضل الله المشار إليه عند السلطان، وشكر له ما كان من ذلك. ويشتمل على أربعة مقاصد:
المقصد الأول في الكتب الواردة عن أهل الشرق:
وفيه أطراف:
الطرف الأول: الكتب الواردة عن القانات العظام من بني جنكزخان:
ولها حالان:
الحالة الأولى: ما كان الأمر عليه قبل دخولهم في دين الإسلام. وكان الأمر يجري في كتابتهم مجرى المخاشنة، والتصريح بالعداوة، ولم أقف على مقادير قطع ورق كتبهم يومئذ ولا ترتيب كتابتها.
وهذه نسخة كتاب كتب به هولاكو بن طوجي بن جنكزخان، المنتزع العراق من أيدي الخلفاء العباسيين، كتب به إلى الملك المظفر قطز في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وهو: من ملك الملوك شرقاً وغرباً القان الأعظم: باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.
يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم يتمتعون بأنعامه، ويقتلون من كان سلطانه بعد ذلك. يعلم الملك المظفر وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، أننا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من أحل عليه غضبه، فسلموا إلينا أموركم تسلموا، قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا، وقد عرفتم أننا خربنا البلاد، وقتلنا العباد، فلكم منا الهرب، ولنا خلفكم الطلب، فما لكم من سيوفنا خلاص، خيولنا سوابق وسيوفنا قواطع وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، من طلب حربنا ندم ومن قصد أمننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأوامرنا أطعتم فلكم ما لنا، وعليكم ما علينا، فقد أعذر من أنذر. وقد ثبت عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم الفجرة، فأسرعوا إلينا بالجواب قبل أن تضرم الحرب نارها، وترميكم بشرارها، فلا يبقى لكم جاه ولا عز، ولا يعصمكم منا جبل ولا حرز، فما بقي لنا مقصد سواكم والسلام علينا وعليكم، وعلى من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى.
الحالة الثانية: ما كان الأمر عليه بعد دخولهم في دين الإسلام مع قيام العداوة بين الدولتين. وكان عادتهم في المكاتبة في أن يكتب بعد البسملة بقوة الله تعالى قم يكتب بعد ذلك بإقبال قان فرمان فلان، يعني كلام فلان. ولهم في ذلك طريقتان: إحداهما: أن يكتب بسم الله سطراً، ويكتب الرحمن الرحيم سطراً تحتها، ويكتب بقوة الله سطراً وتعالى سطراً آخر تحته، ثم يكتب تحت ذلك في الوسط بهامش من الجانبين بإقبال قان سطراً، وتحته فرمان فلان باسم السلطان المكتوب عنه سطراً آخر.
الطريقة الثانية: أن تكتب البسملة جميعها سطراً واحداً، ثم يكتب تحت وسط البسملة بقوة الله تعالى سطراً وميامين الملة المحمدية سطراً آخر، ثم يكتب تحت ذلك سطراً آخر بزيادة يسيرة من الجانبين فرمان السلطان فلان، يعني كلام السلطان فلان.
ولم أقف على قطع الورق الذي كتب فيه حينئذ، والظاهر أنه في البغدادي الكامل تعظيماً لشأن المكتوب عنه عندهم. وبالجملة فإن الظاهر أن الكتب الواردة عنهم على نمط الكتب الواردة من المملكة إليهم، جرياً على قاعدة كتاب هذه المملكة من أن الغالب مضاهاتهم لأكابر الملوك في كتبهم في الهيئة والترتيب شرقاً وغرباً.
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الأولى، ورد عن السلطان أحمد صاحب مملة إيران، من بني هولاكو المقدم ذكره، وهو أول من أسلم منهم، كتب به إلى الملك المنصور قلاوون صاحب الديار المصرية، تغمده الله تعالى برضوانه، ورد مؤرخاً بأوسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة، ورأيت في بعض الدساتير أنه من إنشاء الفخر بن عيسى الموصلي، وورد بخطه وهو:
بسم الله، بقوة الله الرحمن الرحيم تعالى، بإقبال قان فرمان أحمد إلى سلطان مصر، أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته، ونور هدايته، قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا، وريعان الحداثة إلى الإقرار بربوبيته والاعتراف بوحدانيته، والشهادة لمحمد عليه أفضل الصلاة والسلام، بصدق نبوته، وحسن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده وبريته {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين، وإصلاح أمور الإسلام والمسلمين، إلى أن أفضى إلينا بعد أبينا الجليل، وأخينا الكبير، نوبة الملك، فأفضى علينا من جلابيب ألطافه ولطائفه ما حقق به آمالنا في جزيل آلائه وعوارفه، وجلى هذه المملكة علينا، وأهدى عقيلتها إلينا، فاجتمع عندنا في قوريليان المبارك، وهو المجتمع الذي تقدح فيه الآراء جميع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار، ومقدمو العساكر وزعماء البلاد، واتفقت كلمتهم على تنفيذ ما سبق به حكم أخينا الكبير، في أنفاذ الجم الغفير، من عساكرنا التي ضاقت الأرض برحبها من كثرتها، وامتلأت الأرض رعباً من عظم صولتها، وشديد بطشتها، إلى تلك الجهة بهمة تخضع لها صم الأطواد وعزمة تلين لها الصم الصلاد، ففكرنا فيما تمخضت زبد زعائمهم عنه، واجتمعت أهواؤهم عليه، فوجدناه مخالفاً لما كان في ضميرنا من اقتفاء الخير العام، الذي هو عبارة عن تقوية شعار الإسلام، وأن لا يصدر عن أوامرنا ما أمكننا به إلا ما يوجب حق الدماء، وتسكين الدهماء، وتجري به في الأقطار، رخاء نسائم الأمن والأمان، ويستريح به المسلمون في سائر الأمصار، في مهاد الشفقة والإحسان، تعظيماً لأمر الله، وشفقة على خلق الله، فألهمنا الله تعالى إطفاء تلك النائرة، وتسكين الفتن الثائرة، وإعلام من أشار بذلك الرأي بما أرشدنا الله إليه، من تقديم ما يرجى به شفاء مزاج العالم من الأدواء، وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء، وأننا لا نحب المسارعة إلى هز النضال للنضال إلا بعد إيضاح المحجة، ولا نبادر لها إلا بعد تبيين الحق وتركيب الحجة، وقوى عزمنا على ما رأينا من دواعي الصلاح، وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه النجاح، إذا كان الشيخ قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين، فأرسلناه رحمة من الله لمن لبى دعاه، ونقمة على من أعرض عنه وعصاه، وأنفذنا أقضى القضاة قطب الملة والدين، الأتابك بهاء الدين، اللذين هما من ثقات هذه الدولة الزاهرة ليعرفوهم طريقتنا، ويتحقق عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين، جميل نيتنا، وبينا لهم أنا من الله تعالى على بصيرة وأن الإسلام يجب على ما قبله، وأنه تعالى ألقى في قلوبنا أن نتبع الحق وأهله، ونشاهد أن عظيم نعمة الله للكافة بما دعانا إليه من تقديم أسباب الإحسان، أن لا يحرموها بالنظر إلى سائر الأحوال فكل يوم هو في شان، فإن تطلعت نفوسهم إلى دليل تستحكم بسببه دواعي الاعتماد، وحجة يثقون بها من بلوغ المراد، فلينظروا إلى ما ظهر من أمرنا مما اشتهر خبره، وعن أثره، فإنا ابتدأنا بتوفيق الله بإعلاء أعلام الدين وإظهاره، في إيراه كل أمر أصدره، تقديماً لناموس الشرع المحمدي، على مقتضى قانون العدل الأحمدي، إجلالاً وتعظيماً.
وأدخلنا السرور إلى قلب الجمهور، وعفونا عن كل من اجترح سيئة واقترف، وقابلناه بالصفح وقلنا عفا الله عما سلف، وتقدمنا بإصلاح أمور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس، وعمارة بقاع الدين والربط الدوارس، وإيصال حاصلها بموجب عوائدها القائمة إلى مستحقيها بشروط واقفيها، ومنعنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها، وأن لا يغير أحد شيئاً مما قرر أولاً، وأمرنا بتعظيم أمر الحجاج وتجهيز وفدها، وتأمين سبلها، وتسيير قوافلها وإنا أطلقنا سبيل التجار المترددين إلى تلك البلاد ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم، وحرمنا على العساكر والقراغولات والشحاني في الأطراف التعرض لهم في مصادرهم ومواردهم، وقد كان قراغول صادف جاسوساً في زي الفقراء كان سبيله أن يهلك، فلم نهرق دمه لحرمة ما حرمه الله تعالى وأعدناه إليه. ولا يخفى عنهم ما كان في إنقاذ الجواسيس من الضرر العام للمسلمين، فإن عساكرنا طالما رأوهم في زي الفقراء والنساك وأهل الصلاح، فساءت ظنونهم في تلك الطوائف، فقتلوا منهم من قتلوا، وفعلوا بهم ما فعلوا، وارتفعت الحاجة بحمد الله إلى ذلك بما صدر إذننا به من فتح الطريق وتردد التجار، فإذا امتنعوا الفكر في هذه الأمور وأمثالها لا يخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية، وعن شوائب التكلف والتصنع عرية. وإذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي المضرة التي كانت موجبة للمخالفة، فإنها إن كانت طريقاً للذب والذود عن حوزة الإسلام فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النور المبين، وإن كانت لما سبق من الأسباب، فمن يتحرى الآن طريق الصواب، فإن له عندنا لزلفى وحسن مآب.
وقد رفعنا الحجاب وأتينا بفضل الخطاب وعرفناهم طريقتنا وما عزمنا بنيةٍ خالصةٍ لله تعالى على استئنافها وحرمنا على جميع العساكر العمل بخلافها، لنرضي الله والرسول، ويلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول، وتستريح من اختلاف كلمة هذه الأمة، وتنجلي بنور الائتلاف، ظلمة الاختلاف والغمة ويشكر سابغ ظلمها البوادي والحواضر، وتقر القلوب التي بلغت من الجهل الحناجر ويعفى عن سالف الجرائر، فإن وفق الله سلطان مصر إلى ما فيه صلاح العالم وانتظام أمور بني آدم، فقد وجب عليه التمسك بالعروة الوثقى، وسلوك الطريقة المثلى، بفتح أبواب الطاعة والاتحاد، وبذل الإخلاص بحث تعمر تلك الممالك وتيك البلاد، وتسكن الفتنة الثائرة، وتغمد السيوف الباترة، وتحل العامة أرض الهوينى وروض الهدون، وتخلص رقاب المسلمين من أغلال الذل والهون.
وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة، منع معرفة هذه النعمة، فقد شكر الله مساعينا وأبلى عذرنا، {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} والله تعالى الموفق للرشاد والسداد، وهو المهيمن على البلاد والعباد، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة كتاب على الطريقة الثانية، كتب بها السلطان محمود غازان صاحب إيران أيضاً، إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الديار المصرية وما معها من البلاد الشامية، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم بقوة الله تعالى وميامين الملة المحمدية فرمان السلطان محمود غازان ليعلم السلطان الملك الناصر، أنه في العام الماضي، بعض عساكرهم المفسدة دخلوا أطراف بلادنا، وأفسدوا فيها لعناد الله وعنادنا، كماردين ونواحيها، وجاهروا الله بالمعاصي فيمن ظفروا به من أهليها، وأقدموا على أمور بديعة، وارتكبوا آثاماً شنيعة، من محاربة الله وخرق ناموس الشريعة فأنفنا من تهجمهم، وغرنا من تقحمهم، وأخذتنا الحمية الإسلامية فجذبتنا إلى دخول بلادهم، ومقابلتهم على فسادهم فركبنا بمن كان لدينا من العساكر وتوجهنا بمن اتفق منهم أنه حاضر، قبل وقوع الفعل منا، واشتهار الفتك عنا، سلكنا سنن سيد المرسلين، واقتفينا آثار المتقدمين، واقتدينا بقول الله: {لئلا يكون للناس حجة على الله حجة بعد الرسل} وأنفذنا صحبة يعقوب السكرجي جماعة من القضاة، والأئمة الثقات، وقلنا: هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله من كاشفة فقابلتم ذلك بالإضرار، وحكمتم عليه وعلى المسلمين بالإضرار، وخالفتم سنن الملوك، في حسن السلوك، وصبرنا على تماديكم في غيكم، وخلودكم إلى بغيكم، إلى أن نصرنا الله وأراكم في أنفسكم قضاه، {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون} وظننا أنهم حيث تحققوا كنه الحال، وآل بهم الأمر إلى ما آل، أنهم تداركوا الفارط من أمرهم، ورتقوا ما فتقوا بغدرهم، ووجه إلينا وجه عذرهم فإنهم ربما سيروا إلينا حال دخولهم إلى الديار المصرية، رسلاً لإصلاح تلك القضية فبقينا بدمشق غير مثحثحين، وتثبطنا تثبط المتمكنين، فصدهم عن السعي في صلاح حالهم التواني، وعلقوا نفوسهم عن اليقين بالأماني، ثم بلغنا بعد عودنا إلى بلادنا أنهم ألقوا في قلوب العساكر والعوام وراموا جبر ما أوهنوا من الإسلام، إنهم فيما بعد يلقوننا على حلب والفراه وأن عزمهم مصر على ذلك لا سواه، فجمعنا العساكر وتوجهنا للقاهم، ووصلنا الفرات مرتقبين ثبوت دعواهم وقلنا لعل وعساهم، فما لمع لهم بارق ولا ذر شارق فقدمنا إلى أطراف حلب وعجبنا من تبطيهم غاية العجب وفكرنا في أنه متى تقدمنا بعساكرنا الباهرة وجموعنا العظيمة القاهرة ربما أخرب البلاد مرورها وبإقامتهم فيها فسدت أمورها وعم الضرر العباد والخراب البلاد، فعدنا بقياً عليها، ونظرة لطف من الله إليها. وها نحن الآن مهتمون بجميع العساكر المنصورة، ومشحذون غرار عزائمنا المشهورة ومشتغلون بصنع المجانيق وآلات الحصار وعازمون بعد الإنذار، {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} وقد سيرنا حاملي هذا الكتاب الأمير الكبير ناصر الدين علي خواجا والإمام العالم ملك القضاة جمال الدين موسى بن يوسف، وقد حملناهما كلاماً شافهناهما به، فلتثقوا بما تقدمنا به إليهما فإنهما من الأعيان المعتمد عليهما في الديوان كما قال الله تعالى: فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين فلتعدوا لنا الهدايا والتحف، كما بعد الإنذار من عاذر، وإن لم تتداركوا الأرض فدماء المسلمين وأموالهم مطلوبة بتدبيرهم، ومطلوبة عند الله في طول تقصيرهم.
فليمعن السلطان لرعيته النظر في أمره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ولاه الله أمراً من أمور هذه الأمة فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم، احتجب دون حاجته وخلته وفقره. وقد أعذر من أنذر، وأنصف من حذر، والسلام على من اتبع الهدى في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة سبعمائة بجبال الأكراد والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى وآله وصحبه وعترته الطاهرين.
قلت: وقد تقدم جواب هذين الكتابين في الكلام على المكاتبات على القانات ببلاد الشرق من بني جنكزخان فلينظر هناك.
الطرف الثاني في المطالعات الواردة إلى الأبواب السلطانية عن أهل الشرق من المملوك والحكام بالبلاد أتباع القانات ومن في معناه.
الطرف الثالث في المكاتبات الواردة عن صاحب اليمن إلى هذه المملكة:
وعادة مكاتبته أن يحذو حذو الديار المصرية، فيما يكتب إليه عنها، فيبتدئ المكاتبة بلفظ: أغز الله تعالى أنصار المقام الشريف، العالي المولوي السلطاني الفلاني بلقب السلطنة، ثم يقول أصدرها من مكان كذا، يذكر المقصد ويختم بالدعاء ونحوه، ويكتبون بالقطع الشامي الكامل بقلم الثلث.
وهذه نسخة كتاب عن الملك الأشرف إسماعيل صاحب اليمن إلى الملك الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية، في شهور سنة ثمان وتسعين وسبعمائة على يد القاضي برهان الدين المحلي، تاجر الخاص والطواشي افتخار الدين فاخر دوادار الملك الأشرف صاحب اليمن المذكور، وهو: أعز الله تعالى أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الظاهري، وزاده من البسطة والقدرة، وضاعف له مواد الاستظهار والنظر العزيز، وجعل الظفر مقروناً براياته أينما يممت ما بينهما تمييز، ومحبوباً على عساكره المنصورة حيث توجهت وفتح ببركة أيامه كل مقفل ممتنع بأمر وجيز، ولا زال متمثل الأوامر والمراسيم، رافلاً في أردان العز والمكارم، ممدوداً على الأمة منه ظل المراحم بمنه وكرمه.
أصدرها إليه زبدة زبيد المحروسة معربة عن صدق ولائه، متمسكة بوثيق أسباب آلائه، ناشرة طيب ثنائه، مترجمة ناظمة لمنثور الكتاب الكريم الظاهري الوارد على يد المجلس العالي البرهاني بتاريخ ذي الحجة عظم الله بركاتها، سنة سبع وتسعين وسبعمائة، أحسن الله خاتمتها، فتلقيناه باليدين، ووضعناه على الرأس والعين، واستدللنا به على شريف همته، وصفاء مودته، وتأكيد أخوته، وسألنا الله تعالى على أن يمتعنا ببقاء دولته القاهرة، وينشر في المشارق والمغارب أقلامه الزاهرة، ففضضنا ختامه، فوجدنا فيه من نشر السلم الأريج أذكاه، ومن أنوار ما مجه القلم الشريف ما يخجل منه نوار الربيع وبهاه، فانشرحت به الصدور وتزايد به السرور، وقرت به الأعين، وكثر التهجد به لما استعذبته الألسن، وامتثلنا المرسوم الشريف في تعظيم المجلس العالي ذي الجلالتين، برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلي، ومراعاته في جميع أموره وسرعة تجهيزه، على أنا نجله ونبجله، ونوجب حقه ولا نجهله، فهو عندنا كما كان في عهد الوالد المرحوم الملك الأفضل، بل أمكن وأفضل فهو لدينا المكين الأمين وجهزنا له المتجر السعيد الظاهري، وبرزت مراسمنا إلى النواب بثغر عدن المحروس أن لا يعترض في عشور ونول، وجملناه على ظهور مراكبنا عزيزاً مكرماً، وعرفناه أن لا يصرف على الحمل السعيد ولا الدرهم الفرد، وذلك قليل منا لا جل غلمان بابكم الشريف شرفه الله تعالى وعظمه، وجهزنا الهدية السعيدة المباركة المتقبلة، صحبته هو والأمير الأجل الكبير الافتخاري، افتخار الدين فاخر الداوادار، وصارت بأيديهما بأوراق مفصلة، للمقام الشريف والأمراء الأجلاء الكبراء، وصحبتهما نفر من المعلمين البازدارية، برسم حمل الطيور للصيد السعيد، والمهتارية للصافنات الجياد، على أنا لو أهدينا إلى جلال المقام الشريف الظاهري أعز الله أنصاره بمقدار همته الشريفة العالية، ورتبته المنيفة السامية، لاستصغرت الأفلاك الدائرة، والشهب السائرة، واستقلت السبعة الأقاليم تحفه، والأرض وما أقلته طرفه، ولم نرض أن نبعث إليه الأنام مماليك وخولاً، ونجبي إليه ثمرات كل شيء قبلاً، ولو رام محب المقام هذه القضية، لقصر عنه حوله، ولم يصل إليه طوله، ولكنه يرجع إلى المشهور، بين الجمهور، فوجدنا العمل يقوم مقام الاعتماد، وليس على المستمر على الطاعة سوى الاجتهاد والمخلص في الولاء محمول على قدرته لا على ما أراد، فوثق بهذه القضية، وأنفذ إلى المقام الشريف على يد موصلها هذه الهدية، راغباً إلى إنعامه في بسط عذره، وحمله على شروط المحبة طوال دهره، وتصريفه بين أوامره الممتثلة ومراسيمه المتقلبة، والمسؤول الإتحاف بالمهمات والمراسيم الشريفة شرفها الله تعالى وعظمها.
ونوضح لعلمه الكريم ما أفاء الله به علينا من النصر الذي خفقت بنوده، وأشرقت سعوده، وبرقت سيوفه في رقاب المارقين، واطردت في راياته المآرب فتنأولها باليمين، {نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين} وفتح القلاع والمصانع، والاستيلاء على المرابع والمزارع، واستئصالنا شأفة المارقين، واسترجاع حصن قاف المحروس بعد طول مكثه تحت يد العرب، فكم من كمي مقتول وأسير مكبول وحصان ترك سبيلها ورب حصان كثر عليه عويلها، فخربنا المعاقل، وأطلقنا العقائل وأوطناهم الحميم، {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} وغير ذلك مما أرسلنا على يد المجلس البرهاني والأمير افتخار الدين، فاخر الداوادار لقضاء بعض الحوائج الطارئة من الديار المصرية ألف وأربعمائة وسبعون قطعة من أصناف البهار، وسبع قطع حرير، والمستمد من إحسان المقام الشريف العالي، بروز أمره الشريف العزيز النافذ المطاع، أنفذ الله تعالى شرقاً وغرباً، وأمضاه بعداً وقرباً، في قضاء حوائجهما وسرعة تجهيزهما وقفولهما على يمن اليمن، وعز وتعز قريباً.
وبعد فإن الجلالة والاحترام بهما دوام الموالاة، وتوفير الحرمات، بل هي أعظم الكرامات، والمسؤول من المقام الشريف الظاهري أعز الله تعالى أنصاره، وضاعف اقتداره، بروز أمره الأشرف إلى النواب بمصر المحروسة، وثغر الإسكندرية والشام بالجلالة والاحترام، لكافة غلماننا الواردين إلى الديار المصرية، ومن انتسب إلينا من تاجر وغيره، مسافراً كان أم مقيماً، وأن يعار في مهماته، جلالة تفيأ ظلالها، ويشمله إقبالها، كما سبق للوالد المرحوم المقدس الملك المجاهد تغشاه الله برحمته، بل نرجو فوق ذلك مظهراً، إن شاء الله، فثم خطوط ناصرية من السلطان حسن والملك الصالح لخدامنا الدماء، لما أرسلوا إلى الإسكندرية ودمشق، كتب لهم مربعات ومثالات شريفة، ولا غرو أن يبدي المستعطي ما في ضميره إلى المعطي، والاشتهار بما بيننا وبين المقام الشريف من الأخوة الممهدة، والمصافاة المؤكدة، والمودات المحكمة، والأسباب الثابتة، أوجب ذلك، وحسن الظن الجميل نطق به لسان الحال، في هذا الاسترسال، ولم يخف عن المقام الشريف أن لله عوارف يجذب بها القلوب إليه، ولطائف خفية يستدل بها المحب عليه، وتعاطي كأس الوداد، يدل على حسن الاعتقاد، ولذلك نطق اللسان، وكتب البنان، بما افترض على عباده الرحمن، فقال في محكم كتابه المبين: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ومحب المقام الشريف يقدم الكتاب، ويسأل الجواب، بالإذن الشريف، ليعتمد بعد الله عليه في حج البيت الحرام، عند تسيير الله تعالى لذلك، فقد حسن ظنه بذلك، وركن إليه لقضاء الفرض والتبرك بالمشاعر العظام، فلا زالت أيام المقام الشريف على منابر الدنيا تتلى، وآيات الشكر لله سبحانه على استقراره في الملك العقيم تملى. جميع هذا الخطاب مقدمة الإيجاب بالإذن بالحج وتسفير المحمل في كل عام، إلى بيت الله الحرام، فحاج اليمن تعذرت عليه الطرقات، ولم يطق حمل النفقات، ونرجو من الله تعالى أن يفتح ببركة أيامه الشريفة، وشمول الفكر الشريف، بحل عقدة هذه الأسباب، إنه هو الكريم الوهاب، بمنه وكرمه.
وأما ما نعتقده من أمانة المجلس البرهاني فإنها متينة، وشواهدها من أقواله وأفعاله مبينة، خصوصاً في المقام الشريف واستمالته للقلوب بالعبارات اللطيفة، فقد نظم مقاعد الائتلاف، وتزايد بشرحه الأنس في محاورته والاختلاف، ولولا المهم الشريف لاستوقفناه عندنا عاماً كاملاً من بعد هذا التاريخ، ليملي علينا آيات المقام الشريف، شرفه الله تعالى وعظمه. وعلى لسانه ما يبديه في المواقف الشريفة شفاهاً إن شاء الله تعالى.
في سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، أحسن الله تعالى ختامها، والحمد لله أولاً وآخراً، وباطناً وظاهراً.
قلت: أما إمام الزيدية باليمن فلم أقف على مكاتبة، وإن كان المقر الشهابي بن فضل الله قد أشار في كتابه التعريف إلى أنه ورد عنه مكاتبة إلى الأبواب السلطانية الناصرية محمد بن قلاوون يستجيشه على صاحب اليمن، والغالب على الظن أن مكاتبته أعرابية، كما أن إمارته أعرابية، إذ لا اعتناء لأهل البادية وعربان الوادي بفن الإنشاء جملة، وإنما يكتب عنهم بحسب ما يقتضيه حالهم، على أن فيما يأتون به مقنعاً من الفصاحة والبلاغة بكل حال، إذ عنهم قد علم اللسان وعليهم فيه يعول.
الطرف الرابع في الكتب الواردة إلى الأبواب السلطانية عن ملوك الهند:
قد تقدم أن المكاتبة إلى صاحب الهند تشبه المكاتبة إلى القانات العظام بإيران وتوران، وتقدم أن الكتب الواردة عن القانات المذكورين تكون في معنى الكتب الصادرة إليهم في قطع الورق والترتيب، من حيث أن الغالب جريان العادة في الأجوبة بأن تكون على نمط الكتب الواردة، وحينئذ فيكون مقتضى ذلك أن الكتب الواردة من صاحب الهند في هيئة الكتب الصادرة إليه في قطع الورق وغيره، فتكون في البغدادي الكامل بقلم مختصر الطومار بالطغراء والخطبة المكتتبتين بالذهب، إلى ما جرى مجرى ذلك مما تقدم ذكره في المكاتبات إلى القانات.
قلت: ولم أقف على صورة مكاتبةٍ من ذلك ولا على نسخة شيء ورد، لكن قد تقدم في الكلام على المسالك والممالك في المقالة الثانية عند ذكر مملكة الهند أن في جملة ممالك الهند مملكة تعرف بالسيلان، وقد رأيت في تذكرة محمد بن مكرم التي جمعها في وقائع ديوان الإنشاء بالديار المصرية، أنه في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وصل كتاب من صاحب السيلان هذه في صفيحة ذهب رقيقة عرض ثلاثة أصابع، في طول نصف ذراع، وحوله مدورة حلقة داخلها شبيه بالخوص أخضر، عليه كتابة تشبه الخط الرومي أو القطبي، فطلب من يقرأه فلم يوجد، فسئل الرسل عما هو مكتوب فيها، فقيل: إنه سير رسوله رومان ورفيقه، وقصد أن يسير معهما الهدية إلى الباب الشريف، فقيل له: ما لهم طريق. فقال لهم: سافروا إلى هرمز فحضروا إليها، وذكروا أن مضمون الكتاب السلام، والدعاء للسلطان، وأن البلاد السيلان مصر، وبلاد مصر السيلان، وأنه ترك صحبة صاحب اليمن مرة واحدة، وتعلق بمحبة مولانا السلطان خلد الله ملكه وسأل أن يحضر رسول من عند مولانا السلطان إلى عنده صحبة رسله، ورسول آخر إلى عدن ينتظر حضورهم من تلك الجهة على تلك الطريق، وأن عنده الجواهر واللآلئ والفيلة والقماش الكثير من البز وغيره، وكذلك البقم والقرفة وجميع ما يطلب الكارم، وأن عنده في كل سنة عشرين مركباً يسيرها إليه، فيطلق مولانا السلطان التجار إلى البلاد وأن رسول صاحب اليمن حضر في هذه السنة يتسلم التقادم والفيلة حتى يسافروا إلى اليمن فرده، ولم يعطه شيئاً، وإنه يعبي التقادم والفيلة على أبواب مولانا السلطان، وأن بمملكة سيلان سبعاً وعشرين قلعةً، وبها معادن الجوهر والياقوت ومغاص اللؤلؤ، ولم يزد على ذلك، ورأيت في كتاب الذيل على تاريخ ابن الأثير نحو ذلك، وفيه ذكر البلاد التي مرت عليها رسل صاحب السيلان في طرقها.
المقصد الثاني في المكاتبات الواردة عن ملوك الغرب:
والعادة الجارية في الكتب الواردة عنهم أن تكون على نمط واحد في الورق، مع تقارب الحال في الترتيب، وتكون كتبهم في طومار واحد، في عرض نحو شبرين، في طول نحو ثلاثة أشبار، والبسملة بعد بياضٍ نحو شبر وثلاثة أصابع مطبوقة من أعلى الطومار، وعرض سبعة أصابع مطبوقة عن يمين البسملة، والسطور منحطة الأوائل مرتفعة الأواخر حتى يصير البياض الذي في أعلاها في آخر سطر البسملة، قدر شبر فقط، وبين كل سطرين قدر عرض إصبع ونصف إصبع، وكل سطر ينقص عن الذي فوقه قليلاً من جهة اليمين على التدريج، حتى يكون السطر الآخر قطعة لطيفة في زاوية الطومار التي على اليسار إلى أسفل، ثم يكتب بحاشية الطومار من أسفله آخذاً من آخر السطر الأخير، ويكون بين ذلك وبين الكتابة الأصلية قدر رأس خنصر، ويبتدئ السطر الأول منها بقطعة لطيفة منحطة الأول مرتفعة الآخر ثم السطر الثاني قطعة أطول من ذلك، ولا يزال كذلك حتى يكمل السطر فيكتب أسطراً كاملة، إلا أنه في أول سطر ينقصه قليلاً عن الذي قبله حتى يكون السطر الأخير قدر الأنملة في زاوية الطومار من جهة البسملة، ويكون بين كتابة الأصل وبين كتابة الحاشية قدر إصبعين بياضاً إلى سمت البسملة، أسطراً متضايقة حتى ينتهي إلى آخر الكلام، ويكتب في آخره بقلم الثلث: وكتب في التاريخ المؤرخ، ويزاد فيه هاء مشقوقة راجعة إلى الخلف وفيه جمل:
الجملة الأولى في المكاتبة الواردة عن صاحب يونس:
وعادة مكاتبته أن تفتتح بلفظ: من عبد الله الفلاني بلقب الخلافة الخاص به، أمير المؤمنين ابن فلان. ويقال في كل من آبائه أمير المؤمنين إن كان قد ولي الخلافة ويدعى له إلى أخينا فلان ويؤتى بالسلام والتحية، ثم يتخلص بالبعدية إلى المقصد، ويختم الكتاب.
وهذه نسخة كتاب عن المتوكل على الله أحمد بن أبي عبد الله بن أبي بكر، إلى السلطان الملك الظاهر برقوق صاحب مصر، جواباً عن كتابه إليه. وهو: من عبد الله المتوكل على الله، أمير المؤمنين أحمد ابن مولانا الأمير أبي عبد الله، ابن مولانا أمير المؤمنين أبي يحيى أبي بكر، ابن الأمراء الراشدين، أعلى الله به كلمة الإسلام، وضاعف نوافل سيفه من عبدة الأصنام، وغض عن جانب عزه عيون حوادث الأيام.
إلى أخينا الذي لم نزل نشاهد من إخائه الكريم، في ذات الرب الرحيم، قبلة صفاء لم تغيرها يد بعاد ولا انتزاح، ونثابر من حفظ عهده والقيام بحق وده على ما يؤكد معرفة الخلوص من لدن تعارف الأرواح ونبادر إلى ما يبعث القلوب على الائتلاف، والأمن بفضل الله من عوائق الاختلاف، وإن شحطت الدار وتناءت الصور والأشباح. ونتعرف بما له من مزيد الإعظام، بمجاورة البيت الحرام والقيام بما هنالك من مطالع الوحي الكريم ومشاعر الصلاح، ونجتلى من أنوائه الكريمة الشريفة، ومطالعه العالية المنيفة، وجوه البشائر رائقة الغرر والأوضاح. ونستهدي ما يسرنا من أنبائه، ممن يرد من تلقائه حتى من أنوار الصباح وسفراء الرياح، ونبتهل إلى الله بالدعاء أن يخبرنا عنه، ويطلعنا منه، على ما يقر عيون الفوز ويشرح صدور النجاح، السلطان الجليل الطاهر الملك الأعظم الظاهر، جمال الدين والدنيا، مؤيد كلمة الله العليا، سيف الملة المرهوب المضاء، بيد القضاء، وركنها الباسق العلاء، في أوج عزها المنداح للفضاء، المشهود له من لدن حل التمائم، ولوث العمائم، بالشهامة التي ترعب الأسد في أجمها، وتستخدم له سائر الأمم، تركها وعربها وعجمها، المختار للقيام بحقه بين عباده، في أرضه وبلاده، الفائز من جوار بيت الله ومقام خليله، ومشرع الحجيج إليه وتيسير سبيله، بما أحرز له سعادة الدارين، وعز المقامين، كوكب السعد الذي شقيت به أعداؤه، وبدر الدين الذي استضاءت به أنحاؤه، ميزان العدل لإنصاف الحقوق وشمس الهداية النيرة الغروب والشروق، أبي سعيد برقوق وصل الله له رتبة راقية يتبوأ محلها، ونعمة باقية يتفيأ ظلها، وعزة واقية تسم وجوه أعدائه خسفها وذلها، بمنه وكرمه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد حمد الله ناظم الشمل وقد راب نثره وشتاته، وجابر الصدع وقد اتسعت عن الجبر جهاته، وراد الأمر وقد أعيا ذهابه وفواته، وواصل الحبل وقد استولى انقطاعه وانبتاته، العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة مما تكنه أرضه وسمواته الذي قرن بالعسر يسراً، وجعل لكل شيء قدراً، فلا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا يكون في ملكه إلا ما تنفذه أحكامه وإرادته.
والصلاة والسلام الأكملين، على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي صدعت بالحق آياته، وقامت بحجة دعواه معجزاته، ونطقت بأنه رسول الله على لسان وحيه الصادق الأمين كلماته، المبعوث بالملة السمحة، من أزكاها حج بيت الله المقدسة أركانه وحجراته، المعظمة عند الله حرماته، المغفورة لمن سبقت له الحسنى بحجة سيئاته، وعلى آله وأصحابه الذين قضوا رضي الله عنهم وهم أولياء دينه الكريم وولاته، وأنصار حزبه المفلح وحماته، وليوث دفاعه في صدور الأعداء وكماته، والرضا عن الإمام المهدي القائم بهذه الدعوة الموحدية قيام من خلصت لله نياته، وصدقت في ذاته دعواته، وصممت لإظهار دينه القويم عزماته، وصلة الدعاء لهذا المقام الأحمدي المتوكل الفاروقي، بنصر تمضي به في صدور أعدائه شباته، وعز يطرد به استقلاله وثباته، وسعد تطيب به أيامه المتصلة وأوقاته، وتطول به حياته.
فإننا كتبنا لسلطانكم كتب الله لكم من إسعاده ما يتكفل بعزه ونصره، ويتضمن إطالة زمنه المبارك وعصره، ويقوم بحفظ قطره الشريف ومصره من حضرتنا العلية تونس كلأها الله تعالى ووجوه نصر الله العزيز لدينا وضاحة الأسرة متبجلة الصور، وآيات فتحه المبين ولله المنة محكمة السور، أحاديث الشكر على نعمه سبحانه مسلسلة الخبر، وبشرنا بما من الله به عليكم قد عمل بمقتضاه من تحت إيالتنا الكريمة من البشر. وإلى هذا فموجبه إليكم بعد تقريب حب شرعت في ملة الوفاء قواعده، وقبل في عهد الصفاء شاهده، واستقل بصلة الخلوص عائده، وثبت في مرسوم الصداقة الصادقة زائده، إعلامكم أنا علم الله من حين اتصل بنا خبركم الذي جره القدر المقدور، وجرى به في أم الكتاب الحكم المسطور، لم نزل نتوجه إلى الله تعالى في مظان قبول الدعاء، ورفع النداء، بأن يجبركم بفضله من حيث صدع، ويصلكم بخيره إثر ما قطع، ويعطيكم من نعمته أضعاف ما منع، إلى أن دارك الله بلطفه وأجاب، وتأذن بفضله في قبول الدعاء بظهر الغيب وهو مستجاب، فرد عليكم ملككم، وصرف إليكم ملككم، فأخذ القوس باريها، وفوق السهم مقرطسها وراميها، وأنفذ القضايا حكمها ومفتيها، وإذا كان العويل يفضي إلى النجدة، والبلا يقضي بالجدة، والفرج يدافع في صدر الشدة، فلا جرم غفر الله للأيام ما اقترفت، لما أنابت واعترفت، وهل هو إلا التمحيص الإلهي أراكم الله من باطن الضراء سراءكم، وأجزل من جانب الغماء نعمائكم، والتبر بعد السبك يروق النواظر خلاصة نضاره، والبدر بعد السرار تتألق أشعة أنواره.
ولما جاءنا بنصركم البشير، وطلع من ثنية الهناء بأكمام السرور إلينا يشير هززنا له أعطاف الارتياح وتلقينا منه وارد التهاني والأفراح، وحمدنا الله لكم على ما من به من الفوز والنجاح ورأينا أن تهنئتكم به من فروضنا المؤكدة، وعهودنا المجددة، وأنه لا يقوم به عنا هنالكم، ويؤدي ما يجب منه بين يدي كرسي جلالكم، إلا من له من ديار الملوك قرب الأدب والسلوك، فاقتضى نظرنا الجميل أن عينا له شيخ دولتنا المستشار، وعلمها الذي في مهماتها إليه يشار فلان.
وقد كان منذ أعوام يتطارح علينا في أن نخلي للحج سبيله، ونبلغه من ذلك مأموله، ويد الضنة لا تسمح به طرفة عين، ونفس الاغتباط لا تجيب فيه دواعي البين، إلى أن تعين من تهنئتكم الكريمة ما عينه وسهل شأنه علينا وهونه، فوجهناه والله تعالى يسعد وجهته، ويجعل حجته لقبول الأعمال حجته. وحملناه من أمانة الحب ما يلقي إليكم، ومن حديث الشوق ما يقص أخباره عليكم، ومن طيب الثناء ما يفض ختامه بين يديكم، وأصحبناه برسم إصطبلاتكم الشريفة ما يسر الحب سبيلها، وأوضح الخلوص دليلها، ورجونا من فضلكم على نزارتها قبولها، إذ لو كانت الملوك تهادى على قدر جلالها، لما اتسعت لذلك خزائن أموالها، لكنها عنوان الحب السليم، حسب ما اقتضاه الحديث النبوي الشريف.
في أثناء شروعنا في ذلك، وسلوكنا من أيمن المسالك، وصل إلينا كتابكم الكريم، تعرف النواظر في وجوه بشائره نضرة النعيم، فاطلعنا منه على ما راق العيون وصفاً ونعتاً، وعبر للخلوص سبيلاً لا ترى القلوب فيها عوجاً ولا أمتاً، ولله هو من كتاب كتب من البيان كتائب، واستأثر بفلك الإجادة فأحرز به سعادة الكاتب، فقسماً بالقلم وما سطر! والحبر وما حبر! لو رآه عبد الحميد لتركه غير حميد، أو بصر به لبيد لأعاده في مقام بليد، ولو قص على قس إيادٍ فصاحته لنزله عن منبر خطابه بعكاظ، أو سحب على سحبان وائل ذيل بلاغته لأراه كيف يتولد السحر الحلال بين المعاني الرائقة الألفاظ.
ولما استقرينا من فحواه، وخطابه الكريم ونجواه، تشوقكم لأخبار جهادنا، وسروركم بما يسنيه من ذلك ببلادنا، رأينا أن نتحف أسماعكم منه بما قرت به أعين الإسلام، وأثلج صدور الليالي والأيام، وذلك أنا من حين صدر من عدو الملة في الجزيرة ما صدر، حسب ما جره محتوم القدر، لم نزل نبيح لأساطيلنا المنصورة حرمه وحماه، ونطرق طروق الغارة الشعواء بلاده وقراه، ونكتسح بأيدي الاستلاب ما جمعت به يداه، إلى أن ذاقوا من ذلك وبال أمرهم، وتعرفوا عاقبة مكرهم.
وكان من جزائرهم المعترضة شجاً في حلوق الخطار، ومتجشمي الأخطار، وركاب البحار من الحجاج التجار، جزيرة غودش وبها من أعداء الله جم كثير، وجمع كبير، فأرسلنا عليهم من أسطولنا المنصور غرباناً نعقت عليهم بالمنون، وعرفت المسلمين بركة هذا الطائر الميمون، وشحناها عدداً وعدداً، واستمددنا لها من الله ملائكة سمائه مدداً، فسارت تحت أجنحة النجاح إليها، وتحوم إلى أن رمت مخالب مراسيها عليها، فلما نزلوا بساحتها وكبروا تكبيرة الإسلام لإباحتها، بهت الذي كفر وود الفرار والحين يناديه: أين المفر؟ فلما قضى السيف منهم أوطاره، وشفى الدين من دمائهم أواره، وشكر الله من المسلمين أنصاره، عمدوا على ما تخطاه السيف من والدٍ وولد، ومن أخلد إلى الأرض من رجالهم عن المدافعة فلم يعترضه بالقتل منهم أحد، فجمعوا منه عدداً ينيف بعد الأربعمائة على الأربعين، وجاؤوا بهم في الأصفاد مقرنين، وامتلأت بغنائمهم والحمد لله أيدي المسلمين، وانقلبوا فرحين بما آتاهم الله مستبشرين، إلى أن دخلوا حضرتنا العلية بسلام آمنين.
فعرفناكم بهذا الفتح لتأخذوا بحظكم من شكر الله عليه، وتتوجهوا في مثله بصالح أدعيتكم إليه، وهو سبحانه وتعالى يطلعنا ويطلعكم على ما يسر النفوس ويهنّيها، ويجلو البشائر ويبديها، بمنه وكرمه، والسلام العطر المحيا الجميل المحيا عائد عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجملة الثانية في المكاتبات الواردة عن صاحب تلمسان من بني عبد الواد:
ورسم مكاتبته فيما وقفت عليه في المكاتبة الواردة على صاحب الديار المصرية أن يبتدأ الكتاب بقوله: إلى الحضرة الفلانية حضرة فلان، بالألقاب المعظمة المفخمة ثم يدعى له بما يناسب الحال، ويؤتى بخطبةٍ، ثم بالسلام، ويقع الخطاب في أثناء الكتاب بالإخاء بلفظ الجمع، ويختم بالدعاء المناسب.
كما كتب عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن، إلى السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة: إلى الحضرة العالية السامية السنية الماجدة المحسنة الفاضلة المؤيدة المظفرة المنصورة المالكة حضرة السلطان، الملك الجليل الفاضل المؤيد المنصور المظفر المعظم ناصر الإسلام، ومذل عبدة الأصنام، الذي أيده الله بالبراهين القاطعة، والأنوار المنيرة الساطعة، الأعلى الأوحد الأكمل الأرفع الأمجد الأسمى الأسرى، ذي المجد الظاهر، والشرف الباهر، الملك الناصر، ابن السلطان الملك الجليل العادل الفاضل المؤيد المظفر الأعلى الأوحد الأكمل الأرفع الأمجد الأسنى الأسمى، ناصر الإسلام والمسلمين، ومعلي كلمة الموحدين، المقدس المرحوم، ذي المجد المشهور، والفخر المنشور، والذكر المذخور، الملك المنصور، أدام الله علو قدره في الدنيا والآخرة، وأسبغ عليه نعمه باطنة وظاهرة، وجعل وجوه محاسنهم في صفحات الدهر سارة سافرة، وصفقة أعدائهم خائبة خاسرة.
وبعد حمد الله الذي أظهر الأمر العلي الناصري وأيده، وبسط في قول الحق وفعله لسانه ويده، وسدد نحو الصواب منحاه كله ومقصده، والصلاة التامة المباركة على سيدنا محمد رسوله المصطفى، الذي خصه الله بعموم الدعوة وأفرده، وقرن ذكره بذكره فأبقاه أبد الدهر وخلده، والرضا عن آله الكرام، وصحابته الأعلام، الذين حفظوا بالتوقير والتعزيز مغيبه ومشهده، كانوا عند استلال السيوف، ومجال الحتوف، عدده المظفر وعدده، الدعاء لكم المقام الشريف بسعد يطيل في شرف الدين والدنيا مدده وأمده.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من أخيكم البر بكم الحريص على تصافيكم، عبد الرحمن بن أبي موسى بن يغمراسن، وإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم أنجح المقاصد وأرجحها، وأثبتها عزاً وأوضحها، من حصن تلمسان حرسها الله تعالى، ولا ناشيء بفضل الله تعالى إلا ما عود من بشائر تحث جيادها، ومسار يتطأول إلى المزيد اعتيادها، وإلى هذا أعلى الله كلمتكم، وأمتع المسلمين بطول بقائكم، فإنا نعرفكم بطول كتابكم الخطير الأثير، فتلقيناه بما يجب من التكريم والتعظيم، وتتبعنا فصوله واستوعبنا فروعه وأصوله، وتحققنا مقتضاه ومحصوله، وعلمنا ما انطوى عليه من المنن والإفضال، واشتمل عليه من التفصل والإجمال، ومن أعظم ذكر إذنكم لنا في أداء فرض الحج المبرور وزيارة سيد البشر، الشفيع في المحشر، الذي وجبت له نبوته ومثنى الغيب عليه منسدل، وأدام صلوات الله عليه في طينته منجدل، وعلم الله أننا لم تزل آمالنا متعلقة بتلكم المشاعر الكريمة، وقلوبنا متشوقة إلى تلكم المشاهد العظيمة، فلنا في ذلك نيات صادقة التحويم، وعزمات داعية التصميم، وكان بودنا لو ساعدنا المقدار، وجرى الأمر على ما نحبه من ذلك ونختار، أن نمتع برؤية المواطن التي تقر أبصاراً، ويتشفى بها إيراداً وإصداراً، ولعل الله تعالى ينفعنا بخالص نياتنا، وصدق طوياتنا، بمنه وكرمه.
وقد وجب الشكر علينا من كل الجهات، واتصلت المحبة والمودة طول الحياة، غير أن في قلوبنا شيئاً من ميلكم إلى غيرنا واستئناسكم، ونحن والحمد لله أعلم الناس بما يجب من حقوق ذلكم المقام الشريف، ولنا القدرة على القيام بواجبكم، والوفاء بكريم حقكم، وليس بيننا وبين بلادكم من يخشى والحمد لله من كيده، ولا يبالي بهزله ولا جده، وقد توجه إلى بابكم الشريف قرابتنا الشيخ الصالح الحسيب الأورع الأكمل الزاهد أبو زكريا يحيى ابن الشيخ الصالح المرابط المقدس المرحوم أبي عبد الله محمد بن جرار الوادي، وهو من أهل الدين والخير، وقد شافهناه بما يلقيه إلى ذلكم المقام الشريف من تقرير الود والإخاء والمحبة والصفاء، مما يعجز عنه الكتاب، فالمقام الشريف يثق إلى قوله ويعامله بما يليق ببيته ودينه، وغرضنا أن تعرفوه بجميع ما يصلح لذلكم المقام الشريف مما في بلادنا، ويصلكم إن شاء الله في أقرب الأوقات، على أحسن الحالات، ولكم بذلك علينا المنة العظمى، والمزية القصوى، والله تعالى يبقي ذلكم المقام الشريف محروس المذاهب، مشكور المناقب، إن شاء الله تعالى.
الجملة الثالثة في المكاتبات الواردة عن صاحب فاس إلى الأبواب السلطانية بالديار المصرية:
وعادة كتبهم أن تفتتح بلفظ من عبد الله فلان أمير المسلمين. وأول من كتب منهم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حين استولى على المغرب، قبل بني مرين، خضوعاً أن يتلقب بأمير المؤمنين مضاهاة للخلفاء وهو: من عبد الله علي أمير المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرين، ومالك العدوتين، أبي سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرين وسلطان العدوتين، القائم لله بإعلاء دين الحق، أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، منح الله التأييد مقامه، وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصفر أيامه.
إلى السلطان، الجليل، الكبير، الشهير، العادل، الفاضل، الكامل، الحافل، المالك، الناصر، المجاهد، المرابط، المثاغر، المؤيد، المظفر، المنصور، الأسعد، الأصعد، الأرقى، الأوقى، ناصر الدنيا والدين، وقامع البغاة والمعتدين، مفيد الأوطار، مبيد الكفار، هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار، ماليء صدور البراري والبحار، حامي القبلتين خديم الحرمين، غيث العفاة عون العناة، مصرف الكتائب، مشرف المواكب، ناصر الإسلام، ناشر الأعلام، فخر الأنام، ذخر الأيام، قائد الجنود، عاقد البنود، حافظ الثغور، حامي الجمهور، نظام المصالح، بقية السلف الصالح، ظهير الخلافة وعضدها، ولي الإمامة وسندها، عاضد كلمة الموحدين، ولي أمير المؤمنين، أبي المعالي محمد بن السلطان، الكبير، الجليل، الشهير، الشهيد، الخطير، العادل، الفاضل، الكامل، الحافظ، الحافل، المؤيد، المظفر، المعظم، المبجل، المكبر، الموقر، المعزز، المجاهد، المرابط، المثاغر، الأوحد سيف الدين قلاوون أدام الله فضل عزمه الماضي بتأييده، وأدار الأفلاك بتشييد ملكه الشامخ وتمهيده، وطهر أرجاءه من أرجاس المنافقين، وأدناس المارقين، بما يريق عليها من دمائهم، فما كل متطهر يجزأ عنه غسل مائه أو تيمم صعيده.
سلام كريم، طيب عميم، أرج الشميم، متضوع النسيم، تستمد الشمس باهر سناه، ويستعير المسك عاطر شذاه، يخص إخاءكم العلي، ووفائكم الوفي، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله الذي أيد المؤمنين، على عدوهم فأصبحوا ظاهرين، وعرف الإسلام وأهله من السر العجيب، والصنع الغريب، ما فيه عبرة للمسلمين والناظرين، حكمة عجزت عن فهم سرها المكتوم، وقصرت عن كنهها المختوم، ألباب عبيده القاصرين. والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي أرشد به الحائدين الحائرين، وأرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله برغم الجاحدين الكافرين، وعلى آله وصحبه الذين هاجروا إليه وبلادهم هجروا، والذين آووا من أوى إليهم ونصروا، والذين جاهدوا في الله فصبروا، ففازوا بذكر المهاجرين والأنصار وأجر المجاهدين الصابرين، وصلة الدعاء لحزب الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بفضل لا يزالون معه لأعدائهم قاهرين، وسعد لا ينفكون له بآمالهم ظافرين، ونصر من عند الله وما النصر إلا من عند الله وهو خير الناصرين.
فإنا كتبنا لكم كتب الله لكم مجداً مديد الظلال، وعضداً حديد الإلال، وسعداً جديد السربال، من منصورة تلمسان حرسها الله تعالى، والصنائع الربانية تكيف العجائب، وتعرف العوارف الرغائب، وتشنف الأسماع بما تسمعها من إجزال المنوح والمواهب، وتفوف الرقاع بما تودعها من أحاديث الفتوح الغرائب، والحمد لله على ما يسر من المآرب، وسهل من المواهب، وإخاؤكم الصادق مبرور الجوانب، مأثور المناقب، مشرق الكواكب، مغدق السحائب، نامي المراتب، سامي المراقب، والله تعالى يبقيه في ذاته، ويقيه من صرف الدهر وأذاته، وإلى هذا وصل الله لكم سعداً جديدً، وجداً سعيداً، ومجداً حميداً، وحمداً مجيداً، فقد وصل كتابكم الأثير، المزري بالمسك النثير، فاجتلينا منه روضة جادها البيان فأمرعها، ورادها البنان فوشعها، واجتنينا من غصون سطوره ثمرات وداد ما أينعها، إنباءً عما تلقاه الإخاء الكريم من قبل الشيخ الأجل، أبي عبد الله محمد بن الجراح مما عنا تحمل، وفي إلفائه وأدائه بحضرتكم الكريمة أحسن وأجمل، وهو ما كان عليه عزم مولاتنا الوالدة ألحقها الله تعالى رضوانه، وبوأها جنانه، من حج البيت المحرم، وزيارة القبر المعظم المكرم، والصلاة بالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وثالثها في شد الرحال للمسجد الأقصى ونعم المغتنم، وقضاء النسك بتلك المناسك والمشاهد، والتبرك بتلك المعالم المنيفة والمعاهد، وما وصف مع ذلك بهذا الجانب الغربي، ورصف في أمر قتالنا لكل مارق أبي وكافر حربي، وما منحنا الله من نصر لقلوب أهل الإيمان مبهج، ولصدور عبدة الصلبان محرج، وإن الإخاء الكريم حصل له بذلك أبهى ابتهاج، وحل منه محل القبول الذي انتهج له من اقتفى سبيل القصد أنهى انتهاج، فعقد العزم على تلقي الوافد من تلقائنا، والوارد رجاء أداء فرض الحج من أرجائنا، بتسهيل سبيله، وتيسير ارتحاله إلى بيت الله ورسوله، وأنه متى وقع الشعور بمقدم المولاة رحمها الله تعالى على بلاده، وقربها من جهاته المجودة من جود جوده بعهاده، يقدم للخروج من يتلقى ركابها، ويعتمد بالبر والتكريم جنابها، حتى تحمد وجهتها الشريفة بجميل نظره وإيابها، وقام عنا بما نوده من برها، وساهم فيما تقدمه إلى الله عز وجل من صالح أجرها. وقد قابلنا هذا الفضل من الشكر بأجزله، ومن البر بأحفاه وأحفله، وحصل لدينا بإزائه سليم ود وكريم إخائه، من تخليص ولائه، وتمحيص صفائه، منا ما يزال عهده الأنيق في نهائه، وعهده الوثيق في ازدياده ونمائه، وغصنه الوريق في رونق غلوائه، ولئن كانت المولاة الوالدة قدس الله روحها، وبرد ضريحها، قد وافت بما قدمت عند الله من صالح العمل، وماتت على ما أبرمته في قصد البيت الشريف في نية وأمل، إذا كانت رحمة الله تعالى عليها قد تأهبت لذلك، واعتدت لسلوك تلك المناسك، وأداء ما فرض الله من السعاية والمناسك، وعلى الله إجزال ثوابها، وعنده نحتسب ما ألم فآلم من مصابها فإن لدينا ممن يمت بحرمة المحرم إلينا، ويلزم بحق التربية علينا، من يقوم عندنا مقامها، ويروم من ذلك المقصد الشريف مرامها، وسنوردها إن شاء الله تعالى على تلكم البقاع، ونوردها من تلكم الأقطار والأصقاع، ما يجعل بحسن نظركم مورده ومصدره، ويطابق في جميل اعتنائكم وحفيل احتفالكم خبره ومخبره، بفضل الله وعونه.
وأما تشويق ذلكم الإخاء، المواصلة الكتب بسار الأنباء، فإن من أقربها عهداً وأعذبها حديثاً يهادى ويهدى، ما كان من أمر العاق قاتل أبيه، الحال من إقليم تلمسان وممالكها بالمحل النبيه، وذلك أن أسلافه بني زيان، كانوا قد استولوا على هذه المملكة في سالف الزمان، ولم يزل بينهم وبين أسلافي المحتومين على ملك المغرب الأقصى وقائع توريدهم الحمام، وتذيقهم الموت الزؤام، فيدعون المنازعة، ويعودون للموادعة، ثم لم يلبثوا أن ينكثوا، ولم يصبروا أن يغدروا، إلى أن كان من حصار عمنا المقدس المرحوم أبي يعقوب قدس الله تربته إياهم، فأكثر موتهم وكدر محياهم، وتمادى بهم الحصار تسع سنين، وما كانوا غير شر ذمةٍ قليلين، وهنالكم اتصلت بينكما المراسلة، وحصلت الصداقة والمواصلة، ثم حم موته، وتم فوته، رحمة الله تؤمه، ورضوانه يشمله ويعمه، فنفس خناقهم، وعاد إلى الإبدار محاقهم، وصرف القائم بعده عنهم حين، عما كان هو رحمه الله قد طوعه من بلاد مغراوة وتحين، فاتسعت عليهم المسالك، وملكوا ما لم يكن فيه لأوائلهم طمع الممالك، لكن هذا الخائن وعمه كانا ممن أسأرته الفتن، وعم به فيها غوامر المحن، فسلكا مسلك أسلافهما في إذاعة المهادنة، والروغان عن الإعلان بالمفاتنة.
ولما سول الشيطان لهذا العاق قتل والده، والاستيلاء على طارفه وتالده، لم يقدم عملاً على إشخاص إرساله بحضرة مولانا المقدس أبي سعيد، قدس الله مثواه، وجعل الجنة مأواه في السلم راغباً، وللحكم بموادعته طالباً، فاقتضى النظر المصلحي حينئذ موافقته في غرضه، وإن كان باطنه على مرضه، فقوي أمره، وضري ضره، وشري شره، ووقد تحت الرماد جمره، وسرى إلى بلاد جيرانه الموحدين داؤه، وطال عليهم تضييقه واعتداؤه، واستشعر ضعفهم عن مدافعته، ووهنهم عن مقاومته ومنازعته، فبغى وطغى، ولم يدر أن من فوقه سقب السماء رغا، وباطن جماعة من عرب أفريقية المفسدين وجروا بحبل الأطماع إليها، وأقام على بجاية عشرين سنة يشد على بجاية الحصار، ويشن على أحواز تونس الغار، حتى كان من هزيمة جيشه لصاحبها ما كان، بممالأةٍ منهم ومن غيرهم من وراتيه؟ مابن اللحياني وابن الشهيد وابن عمران، فأدى ذلك صاحبها السلطان أبا يحيى أعزه الله تعالى أن بعث إلينا وزيره في طلب النصرة رسولاً، وأوفد علينا أعز ولده أبا زكريا في إذهاب المضرة عنه دخيلاً، فخاطبنا إذ ذاك هذا الخائن العاق مبصرين، وبقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} مذكرين، فما زادته الموعظة إلا شراً، ولا أفادته التذكرة إلا بطراً، وحين ذكر فلم تنفعه الذكرى، وفكر فلم يتيسر لليسرى، امتثلنا فيه أمر الله تعالى المرتب على قوله: فإن بغت إحداهما على الأخرى فأزمعنا قدعه، وأجمعنا رده وردعه. وفي أثناء ذلكم وصل إلينا أيضاً سلطان الأندلس مستغيثاً على النصارى أعداء الله جيرانه على طاغيتهم، المصر على عداوته وعداوتهم، فجهزنا معه ولدنا عبد الواحد في أربعة آلاف من الأبطال، وأمددناهم بما كفاهم من الطعام والعدة والمال، فأجاز في سبتة إلى الخضراء عجلاً، ولم يقدم على منازلة جبل الفتح عملاً، وكان هذا الجبل الخطير، شأنه منذ استولى عليه العدو قصمه الله في سنة تسع وستين شجاً في لهوات أهل العدوتين، وغصة لنفوس الساكنين بالجهتين، لإطلاله عليهما، وإرساله جوارح جواريه إليهما، تحطف من رام العبور ببحر الزقاق، وما يقرب الملجأ إلى هذا المعقل المستقر من اللحاق، فكم أرمل وأيتم، وأثكل وأيم، فأحاطت به العاديات السوابح براً وبحراً، وأذاقت من به من أهماج الأعلاج شراً وحصراً، إلى أن أسلموا المسلمين قهراً وقسراً، ومنح الله حزبه المؤمنين فتحاً ونصراً، وسمع الطاغية الغادر إجابة الله تعالى بأمره، فطار بما قدر عليه من حشوده وجنوده إلى إغاثته ونصره، فوصله بعد ثمانية أيام، من تسليمه للإسلام، فنزل بخيله ورجله إزاءه، وأقسم بمعبوده لا يبرح فناءه، حتى يعيد إليه دينه، أو يلقى منونه دونه، فأكذب الله زعمه، وأوهن عزمه، وأحنث يمينه، وأقلع بعد شهرين وأيام مدلجاً، وأسرع العود إلى مستقره واسأله كيف نجا، وكان ذلك سبب إنابته للسلم وانقياده، وإجابته لترك ما كان له على أصحاب غرناطة من معتادة، وكانوا يعطونه ما ينيف على الأربعين ألفاً من الذهب في العام، ضريبة ألزمهم الطاغية أداءها في عقد مصالحته أي إلزام، فسمناه تركها وإسقاطها، وألزمناه فيما عقدناه له من السلم أن يدع اشتراطها، والحمد لله الذي أعز بنا دين الإسلام، وأذل رقاب عبدة الأصنام، وقد اعتنينا بتحصين حصن هذا الجبل تتميماً لها وتكميلاً، وابتدأنا من تحصين أسواره وأبراجه بما يغدو على جبينه تاجاً وإكليلاً. وكنا في هذه المدة التي جرت بها هذه الأحوال، وعرت فيها هذه الأهواء والأهوال، منازلين أخانا الممتنع بسجلماسة من بعض بلاد القبلة، ومحاولين من إزاحة ضره، والإراحة من شره، ما فيه الصلاح والفلاح على التفصيل بالجملة، لعثايته في الفساد، ودعايته إلى العناد، ومعاضدته صاحب تلمسان ومساعدته على البغي والعدوان، فسهل الله افتتاحها وعجل من صنائعه الجميلة منها مباحها، وذلك بعد تسليم جبل الفتح بثلاثة أشهر ونصف، ويسر الله تعالى في ذلك من بدائع الصنائع، ما يقصر عنه كل نعت ووصف، وفي خلال تلكم المنازلة وحال تلكم المحاولة لاحت للخائن التلمساني فرصة، جرع منها عصة، إذ ظن أن عنه مشغولون، وفي أمر ما عرض من سجلماسة وجبل الفتح معتملون فخرج من بلده على حين غفلة بالعزيمة والجد، إلى حصن ماوريرت الذي هو بين بلاده وبلادنا كالحد فوجد هنالك ولدنا الأسعد تاشفين في ثلة من بني مرين، آساد العرين فلما نذروا به ثاروا إليه مسرعين، فنكص على عقبه ولم ير له جنة أوقى من هربه، وعاد لذلك ثانية فلم تكن عساكرنا عن طرده وانية، بل ردته في الحافرة وأنشدته بلسان حالها الساخرة. سريع. ني مرين، آساد العرين فلما نذروا به ثاروا إليه مسرعين، فنكص على عقبه ولم ير له جنة أوقى من هربه، وعاد لذلك ثانية فلم تكن عساكرنا عن طرده وانية، بل ردته في الحافرة وأنشدته بلسان حالها الساخرة. [سريع]
إن عادت العقرب عدنا لها ** وكانت النعل لها حاضرة

ولما فرعنا والحمد لله من تلكم الشواغل، وأرغنا من الخائن التلمساني ترك ما هو فيه من إثارة الفتن واغل، فأعرض وأشاح وما لاحت عليه مخيلة فلاح، نهدنا نحن أرضه، لنجزيه بقرضه، بجيوش يضيق عنها فسيح كل مدى وخيول تذر الأكم للحوافر سجداً، تنقض على الأقران أمثال الأجدال، وتقض الجنادل من حوافرها بأصلب من الجنادل، فكلفنا بتسليم منازله منزلاً فمنزلاً، وتسنم معاقله مقعقلاً فمقعلاً، وجل رعاياه تقر بفضلنا وتفر من جواره إلى عدلنا، ومن تمسك منهم بحبله، أو سلك من الغي في سبله، قاده السيف برغمه، واستنزله على حكمه والعفو مع ذلك يؤمهم، والإحسان يشملهم ويعمهم، حتى لم يبق إلا معقله الأشب ومنزله الذي رأى أنه عن عين الشوائب محتجب، قد شمخ أنفاً حمياً، وصافح كفاً للثريا، ولم يرص لهامته عمائم إلا الغمائم، ولا لأنامل شرفاته خواتم، إلا النجوم العواتم، فنزلنا بساحه، وأقبلنا على كفاحه وجعلنا نقذفهم من حجارة المجانيق، بأمثال النيق، ومن كيزان النفط الموقدة، بأمثال الشهب المرصدة، ومن السهام العقارة، بأمثال العقارب الجرارة، حتى غدت جدرانهم مهدومة وجسورهم مكلومة، وثغور شرفاتهم في أفواه أبراجهم مهتومة، وظلت الفعلة تشيد إزاء أبراجهم أبراجاً، وتمهد منا لتسوير أسوارهم أدراجاً، وللمعأول في أسلافها إعوال، وللعواسل على أعاليها أعمال، وللأشقياء مع ذلك شدة وجلد، وعدة وعدد، وحدة ولدد، يقاتلون حمية، وينازلون بنفوس أبية، وحجارة المجانيق تشدخ هامهم، وبنات الكنائن تزلزل أقدامهم، وهم في مثل ذلك لازمون إقدامهم، إلى أن اشتدت أزمتهم فلم يجدوا لها من فارج، وأحاطت بهم الأوجال من خارج، وهدمت أبراجهم الشواهق، وردمت حفائرهم والخنادق، وأخذت الكماة في العروج إلى البروج، والحماة في السباق إلى الأنفاق، والرماة في النضال بالنصال، فمن مرتق سلماً، غير متق مؤلماً، ومشتغل بالنقب، غير محتفل بشأبور الحجارة المنصب، وأفرج المضيق، وانتهج الطريق، واقتحمته أطلاب الأبطال، وولجته أقيال القبائل وولى الأشقياء الأدبار، وعاذوا بالفرار، وبدت عليهم علامات الإدبار، وسابقوا إلى الأبواب، فكان مجيئهم من أقوى الأسباب، وقتل منهم الزحام، من أسأره الهدم الحسام، فتملكنا ما دارت عليه الأسوار الخارجة، كفرار السبع والملعب، وجميع الجنان والعروش التي ما انفك الشقي يجتهد في عمارتها ويتعب، وأعلنا بالنداء أن كل من جاءنا هارباً، ووصل إلينا تائباً، منحناه العفو، ومحونا عنه الهفو، وأوردناه من إحساننا الصفو، فتبادروا عند ذلك يتساقطون من الأسوار، تساقط جنيات الثمار، فرادى ومثنى، آئبين إلى الحسنى، فيسعهم الصفح، ويحسبهم المن والمنح.
ولما رأى الخائن قلة من بقي معه، وشاهد تفرق من ذلك الموقف جمعه، أمر بسراح من في قبضته وسجنه، واعتقدهم عوناً له فكانوا أعون شيء على وهيه ووهنه، واعتمد الناس في بقية يومهم السور تتوسع أنقابه، وتتخرق أبوابه، إلى أن جنهم الليل، وحاق منهم بالأعداء الويل، ولزم كل مركزه، ولم يكن الليل ليحجبه من عمله ولا يحجزه، وبات الفرار إلينا يهربون، ومن كل نفق يتسربون فلما ارتفع الضياء، ومتع الضحاء، أمرنا ولدينا يعقوب وعبد الواحد، ووزيرنا القاعد له بالمراصد، بأن زحفوا إليها، مع أطلابنا تحت راياتنا المنصورة عليها، فرجفت قلوبهم، ووجبت جنوبهم ولم يكن إلا كلا حتى امتطيت تلك الصهوة، وتنسمت فيها الذروة، وتسلمت بيد العنوة، وفصمت عراها عروة عروة، وأنزلوا من صياصيهم، وتمكنت يد القهر من نواصيهم وحقت عليهم كلمة العذاب من معاصيهم، وفر الشقي إلى فناء داره، في نفر من ذويه وأنصاره، وفيهم ولداه مسعود وعثمان، ووزيره موسى بن علي معينه على البغي والعصيان، وعبد الحق بن عثمان الخائن الغادر، وابن أخيه العامل بعمله ثابت بن عامر، فتكنفهم هنالك أولياء دولتنا العلية، فأوردوهم ويوسف ولد الشقي السالب حياض المنية، ونبذت بالعراء أجسامهم، وتقدمنا للحين، بأن يمد على الرعية ظل التأمين، ويوطأ لهم كنف التهدئة والتسكين، ويوطد لهم مهاد العافية، وتكف عنهم الأكف العادية، حتى لا تمتد إليهم كف منتهب ولا يلتفت نحوهم طرف مستلب، ومن انتهب شيء أمر برده، وصد عن قصده، وكمل لنا والحمد لله بالاستيلاء على هذا القطر جميع البلاد، الداخلة في ولاية بني عبد الواد، ونسخت منها دولتهم، ومحيت من صحيفتها دعوتهم، وعوض الرعايا من خوفهم أمناً، ومن شؤمهم يمناً، وشملتهم كلمتنا الراقية، المنصورة بكلمة الله الباقية، وفي ذلك معتبر لأهل اليقين، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
والحمد لله على هذه النعمة التي أفاضت على النعم جلالاً، والصنيعة التي بهرت الصنائع جمالاً، وأضفت على المسلمين من الصلاح والعافية سربالاً. وقد رأينا من حق الإنعام الجسيم، والصنع الرائق الوسيم، أن نتبع العفو بعد المقدرة، بالإحسان لمن أسلف لنا غمطه أو شكره، فمننا على قبائل بني عبد الواد، وأضفينا عليهم صنوف الملابس نساء ورجالاً، وأوسعنا لهم في العطاء مجالاً، وأفعمنا لهم من الحباء سجالاً، وأقطعنا له ممن بلاد المغرب حاطها الله تعالى ما هو خير من بلادهم، وحبوناهم منها بما كفل بإحساب مرادهم، وإخصاب مرادهم، وخلطناهم بقبائل بني مرين، وحطناهم باتحاد الكلمة من تقول المتقولين، وتزوير المزورين، وأعددنا منهم لأوان الجهاد أوفر عدد، واعتدنا من فرسانهم ورجالهم لطعان الأعادي أكبر مدد، وأزيل عن الرعايا بهذه البلاد الشرقية إصرهم، وأزيح عنهم بتوخي العدل فيهم جورهم ووزرهم، وخففنا عنهم ما آد من المغارم، وهاد من المكارم، فانشرحت صدورهم، وصلحت أمورهم.
والحمد لله الذي ثلّ محال الباغين ومجالهم، وأورثنا أرضهم وديارهم وأموالهم، وأخذوهم بما احتقبوا من المآثم، واكتسبوا من الجرائم واستحلوا من المحارم، وأباحوا من المسكرات وأذاعوا من المنكرات وطالما أصبح ربعهم معدن الفسوق وموطن العقوق، ومقطن إضاعة الحقوق ولا سيما في أيام المسرور بهناته، المغرور بما سول له الشيطان وأملى له من ترهاته، المشهور بقتل أبيه المأثور من مثالبه ومعايبه بما لم يأت الدهر له بشبيه ولقد طبقت الآفاق معاصيه، وبلغت أخبار خيانته من بأطراف المعمور وأقاصيه ولكن الله تعالى أملى له ليكثر مآثمه، حتى إذا شاء أخذه أخذ القرى وهي ظالمة.
والحمد لله الذي طهر بأيدينا هذه الأرجاء من أرجاسه، ورخص عنها بأيدينا أوضار أدناسه وأنجاسه، وأتاح لأهلها بهلاك هذا المريد المراد، وأراح منه ومن شيعته البلاد والعباد، ولو لم يكن إلا ما نال الحجاج من تعنيه وتعديه، وطال عليهم من تعرضه لهم وتصديه، حتى حجز عن الحجاز الشريف قصاده، وحجز بقطع السبيل عن بيت الله الحرام من أراده، فكم سلب الحجاج وسد عليهم المسالك والفجاج، وفرق فريقهم، وعوق طريقهم. والآن بحمد الله حقت الحقائق، وارتفعت العوائق، وصح العليل، ووضح السبيل، وتسهل المرام، وتيسر القصد إلى البيت الحرام، مكان ترده الزوار عليكم أرسالاً، ووفود الأبرار للسلم خفاقاً وثقالاً، يأتون من كل فج عميق، ويقضون ما يقضون من مناسكهم، آمنين في مسالكهم، إلى البيت العتيق، وهكذا أيضاً خلا وجهنا لجهاد الروم، ولإعداد من يغزونهم في عقر دارهم للقصد المروم، وأن نجدد من هذا العمل بجزيرة الأندلس حماها الله تعالى ما لسلفنا بها سلف، ونبدد من شمل عباد الصليب ما لخلفهم بفضل الله تعالى خير خلف، فعمل الجهاد، بهذه البلاد هو الفضيلة التي لنا الله سبحانه ذخرها، والحسنة التي في صحائف أعمالنا سطرها، وبجيوشنا المنصورة عز دين الإسلام بهذا المغرب الغريب، وبسيوفنا المشكورة والله المشكور ذل بها الصليب، وأوزعنا الله تعالى شكر آلائه، وأمتعنا بتواتر نعمائه، بمنه وفضله.
وأنهينا لعلمكم الكريم هذه الأنباء السارة، والآلاء الدارة، لما ذكرتم من تشوفكم لاستطلاعها وسطرتم من تشوقكم لاستماعها، ولعلمنا أنكم تسرون بقطع دابر الباغين، وتستبشرون بحسم أدواء الطاغين وتؤثرون الإخبار بائتلاف الكلمة على أعداء الله الكافرين إيثار الحامدين لفعل الله تعالى في إظهار دينه الشاكرين. ولا زلتم تشرع نحوكم البشائر وتفرع بذكركم المنابر وترفع لاجتلاء آثار أمركم الستائر، واستجلاء أخبار سيركم الباهرة النواظر، وتجمع لسجاياكم السنية العلاء، ومزاياكم العلية السناء، ثواقب المناقب وقول خير المفاخر، إن شاء الله. والسلام الأتم الأوضع الأنم، يخص إخاءكم الأوفى ورحمة الله وبركاته.
قلت: جواب هذا الكلام تقدم في الكلام على المكاتبات عن الأبواب السلطانية في المكاتبات إلى الملوك.
وهذه نسخة كتاب ورد من أبي الحسن المريني صحبة الهدايا والحرة الحاجة في شهر رمضان المعظم سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ونصه بعد البسملة: من عبد الله علي أمير المسلمين، ناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرين، مالك العدوتين، ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرين، وسلطان العدوتين، أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرين، وسلطان العدوتين، أبي سعيد ابن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين، ملك البرين، وسلطان العدوتين، أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق، منح الله التأييد مقامه، وفسح لفتح معاقل الكفر وكسر جحافل الصفر أيامه.
إلى السلطان الجليل، الكبير، الشهير، العادل، الفاضل، الكامل، الكافل، الملك الناصر، المجاهد، المرابط، المؤيد، المنصور، الأسعد، الأصعد، الأرقى، الأوقى، الأمجد، الأنجد، الأفخم، الأضخم، الأوحد، الأوفى، ناصر الدين، عاضد كلمة المسلمين، محيي العدل في العالمين، فاتح الأمصار، حائز ملك الأقطار، مفيد الأوطار، مبيد الكفار، هازم جيوش الأرمن والفرنج والكرج والتتار، خادم الحرمين، غيث العفاة، مصرف الكتائب، مشرف المواكب، ناصر الإسلام، ناشر الأعلام، فخر الأنام، ذخر الأيام، قائد الجنود، عاقد البنود، حافظ الثغور، حائط الجمهور، حامي كلمة الموحدين، أبي المعالي محمد بن السلطان الجليل، الكبير، الشهير، الشهيد، الخطير، العادل، الفاضل، الكافل، الكامل، الحافظ، الحافل، المؤيد، المكرم، المبجل، المكبر، الموقر، المعزر، المعزز، المجاهد، المرابط، المثاغر، الأوحد، الأسعد، الأصعد، الأوفى، الأفخم، الأضخم، المقدس، المرحوم، الملك المنصور، سيف الدنيا والدين، قسيم أمير المؤمنين. أبقى الله ملكه موصول الصولة والاقتدار، محمي الحوزة حامياً للديار، حميد المآثر المأثورة والآثار، عزيز الأولياء في كل موطن والأنصار.
سلام كريم، زاك عميم، تشرق إشراق النهار صفحاته، وتعبق من شذا الروض المعطار نفحاته، يخص إخاءكم العلي، ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله الذي وسع العبادة مناً جسيماً، وفضلاً جزيلاً، وألهمهم الرشاد بأن أبدى لهم من آثار قدرته، على مقدار وحدته، برهاناً واضحاً ودليلاً، وألزم أمة الإسلام، حج بيته الحرام، من استطاع إليه سبيلاً، وجعل تعظيم شعائره من تقوى القلوب، ومثابات محط الأوزار والذنوب، فما أجزل نعمته منيلاً، وأجمل رحمة ربه مقيلاً، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد المصطفى من أفضل العرب فصيلة، في أكمل بقاع الأرض فضيلة وأكرمها جملة وتفصيلاً، المجتبى لختم الرسالة، وحسم أدواء الضلالة، فأحسب الله به النبوة تتميماً والرسالة تكميلاً، المخصوص بالحوض المورود، والمقام المحمود، يوم يقول الظالم: يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً المبوأ من دار هجرته، ومقر نصرته، ومحلا ما بين بيته ومنبره فيه روضة من رياض الجنة ولم يزل بها نزيلاً، والرضا عن آله الأبرار، وأصحابه الأخيار الذين فضلتهم سابقة السعادة تفضيلاً، وأهلتهم العناية بأمر الدين إلى أن يوسعوا الأحكام برهاناً ودليلاً، فإنا نحيط علم الإخاء الأعز ما كان من عزم مولاتنا الوالدة قدس الله روحها، ونور ضريحها، على أداء فريضة الحج الواجبة، وتوفية مناسكه اللازبة، فأعترض الحمام، دون ذلك المرام، وعاق القدر، عن بلوغ ذلك الوطر، فطوي كتابها، وعجل إلى مقر الرحمة بفضل الله مآبها، وعلى الله أجرها، وعنده يحتسب ذخرها، وإن لدينا من نوجب إعظامها، ونقيمها بحكم البر مقامها، وعزمها إلى ما أملته مصروف، وأملها إلى ما كانت أمته موقوف، وهي محل والدتنا المكرمة المبرورة الأثيرة، الموقرة، المبجلة، المفضلة، المعززة، المعزرة، المعظمة، المطهرة، أسنى الله مكانتها، وسنى من هذا القصد الشريف لبانتها، وقد شيعناها إلى حج بيت الله الحرام، والمثول بحول الله تعالى ما بين زمزم والمقام، والفوز من السلام، على ضريح الرسالة، ومثابة الجلالة، بنيل السول والمرام، لتظفر بأملها المرغوب وتنفر بعد أداء فرضها لأكرم الوجوب.
وحين شخص لذلكم الغرض الكريم، موكبها، وخلص إلى قصد الحرم العظيم، مذهبها، والكرامة تلحفها، والسلامة إن شاء الله تكنفها أصحبناها من حور دولتنا وأحظيائها، ووجه دعوتنا العلية وأوليائها، من اخترناه لهذه الوجهة الحميدة الأثر، والرحلة السعيدة الورد إن شاء الله تعالى والصدر، من أعيان بني مرين أعزهم الله تعالى والعرب، وأولاد المشايخ أولي الديانة والتقوى المالئين دلاء القرب، إلى عقد الكرب، وكل من له أثرة مشهورة، وشهرة بالمزايا الراجحة والسجايا الصالحة مأثورة، وقصدهم من أداء فريضة الحج قصدها، ووردهم إن شاء الله تعالى من منهل بركاته الجمة وردها، وهكذا سيرنا من تحف هذا البلاد إليكم ما تيسر في الوقت تسييره، وإن تعذر في كثير مما قصدناه ولهذا الغرض أردناه تيسيره، لطول المغيب عن الحضرة، والشغل بتمهيد البلاد التي فتحها الله علينا في هذه السفرة، وعينا لإيرادها لديكم، وإيفادها عليكم، أبا إسحاق ابن الشيخ أبي زكريا يحيى بن عثمان السويدي، وأمير الركب الحسن بن عمران وغيرهم، كتب الله سلامتهم، ويمن ظعنهم وإقامتهم. ومقام ذلك الإخاء الكريم، يسني لهم من اليسرى والتسهيل القصد والسول، ويأمر نواب ما له من الممالك، وقوم ما بها من المسالك، لتكمل العناية بهم في الممر والقفول. ومعظم قصدنا من هذه الوجهة المباركة إيصال المصحف العزيز الذي خططناه بيدنا، وجعلناه ذخيرة يومنا لغدنا، إلى مسجد سيدنا ومولانا، وعصمة ديننا ودنيانا، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطيبة زادها الله تشريفاً، وأبقى على الأيام فخرها منيفاً، رغبة في الثواب وحرصاً على الفوز بحظ من أجر التلاوة فيه يوم المآب.
وقد عينا بيد محل الوالدة المذكورة فيه، كرم الله جبهتها، ويمن وجهتها، من المال ما يشترى به في تلكم البلاد المحوطة، من المستغلات ما يكون وقفاً على القرأة فيه، مؤبداً عليهم وعلى غيرهم، من المالكية فوائده ومجانيه. والإخاء الكريم يتلقى من الرسل المذكورين ما إليهم في هذه الأغراض ألقيناه ويأمر بإحضارهم لأدائهم بالمشافهة ما لديهم أوعيناه، ويوعز بإعانتهم على هذا الغرض المطلوب، وييسر لهم أسباب التوصل إلى الأمل والمرغوب، وشأنه العون على الأعمال الصالحة ولا سيما ما كان من أمثال هذا إلى مثل هذه السبل الواضحة، وشكر بادراتكم موطد الأساس، مطرد القياس، متجدد مع اللحظات والأنفاس، والله يصل للإخاء العلي نضرة أيامه، ويوالي نصرة أعلامه، ويبقي الثغور القصية، والسبل السرية، منوطة بنقصه وإبرامه، محوطة بمعاضدة أسيافه وأقلامه، والسلام الكريم العميم، يخص إخاءكم الأعز، ورحمة الله وبركاته، وكتب في يوم الخميس المبارك الخامس والعشرين من ربيع الأول عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة.
وهذه نسخة كتاب عن السلطان عثمان بن أبي العباس المريني في العشر الأوسط من شعبان سنة أربع وثمانمائة، وهو: من عبد الله ووليه عثمان أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، سلطان الإسلام والمسلمين، ناشر بساط العدل في العالمين، المقتدي بآثار آبائه الكرام، المتقفي سننهم الحميدة في نصرة الإسلام، المعمل نفسه العزيزة في التهمم بما قلده الله من أمور عباده، وحياطة ثغوره وبلاده، سيف الله المسلول على أعدائه، المنتشر عدله على أقطار المعمور وأنحائه، ظل الله تعالى في أرضه، القائم بسنته وفرضه، عماد الدنيا والدين، علم الأئمة المهتدين، ابن مولانا السلطان المظفر القان الخليفة الإمام، ملك الملوك الأعلام، فاتح البلدان والأقطار، ممهد الأقاليم والأمصار، جامع أشتات المحامد، ملجأ الصادر والوارد، الملك الجواد، الذي حلت محبته في الصدور محل الأرواح في الأجساد، أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي العباس ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي سالم ابن مولانا أمير المسلمين في سبيل رب العالمين أبي الحسن ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي سعيد، ابن مولانا أمير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وصل الله تعالى أسباب تأييده وعضده، وقضى باتصال عرف تجديد سعده، وأناله من جميل صنعه ما يتكفل بتيسير أمره وبلوغ قصده.
إلى محلنا أخينا الذي نؤثر حق إخائه الكريم، ونثني على سلطانه السعيد ثناء الولي الحميم، ونشكر ماله فينا من الحب السليم، والود الثابت المقيم، السلطان الجليل، الماجد الأصيل، الأعز الخطير المثيل، الشهير الأمجد الأرفع، الهمام الأمنع، السري الأرضى، المجاهد الأمضى، الأوحد الأسنى، المكين الأحمى، خديم الحرمين الشريفين، حائز الفخرين المنيفين، ناصر الدنيا والدين، محيي العدل في العالمين، الأجد الأود، المكين، الأخلص، الأفضل، الأكمل، أبي السعادات فرج، ابن السلطان الجليل، العز المثيل، الخطير الأصيل، الأرفع، الأمجد، الشهير، الهمام، الأوحد، الأسمى، الأسرى، الأرضى، المجاهد، الأمضى، خديم الحرمين الشريفين، حائز الفخرين المنيفين، الأفضل، الأكمل المبرور، المقدم المرحوم، أبي سعيد برقوق بن أنص، وصل الله تعالى لسلطانه المؤيد جداً لا يعجم عوده، وعزاً لا يميل عموده، ونصراً يملأ قطره بما يغص به حسوده، وعضداً يأخذ بزمام أمله السني فيسوقه ويقوده.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد حمد الله على سبوغ نعمائه، وترادف لطفه وآلائه، الذي عرفناه من ولائكم الكريم ما سرنا من اطراد اعتنائه، وأبهج النفوس والأسماع من صفاء ولائه، والصلاة والسلام الأكملين على سيدنا ومولانا محمد خاتم رسله وأنبيائه، ومبلغ رسالاته وأنبائه، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، فأكرم بمقامه وحوضه وولائه، والرضا عن آله صحبه وأوليائه، الذين هم للدين بدور اهتدائه ونجوم إقتدائه، وصلة الدعاء لمقامكم الكريم بدوام عزه واعتلائه، واقتبال النصر المبالغ في احتفاله واحتفائه، وحياطة أنحائه وأرجائه، وتأييد عزماته وآرائه.
فإنا كتبنا إليكم كتاب الله لكم سعداً سافراً، وعزماً ظاهراً، من حضرتنا العلية بالمدينة البيضاء كلأها الله تعالى وحرسها، ونعم الله سبحانه لدينا واكفة السجال، وولاؤه جل جلاله سابغ الأذيال، وخلافتكم التي نرعى بعين البر جوانبها، ونقتفي من كل منقبة كريمة سيرها الحميدة ومذاهبها، وإلى هذا وصل الله سعدكم ووالى عضدكم، وكتابنا هذا يقرر لكم من ودادنا ما شاع وذاع، ويؤكد من إخلاصنا إليكم ما تتحدث به السمار فتوعيه جميع الأسماع، وقد كان انتهى إلينا حركة عدو الله وعدو الإسلام، الباغي بالاجتراء على عباده سبحانه بالبؤس والانتقام، الآخذ فيهم بالعيث والفساد الساعي بجهده في تهديم الحصون وتخريب البلاد، وتعرفنا أنه كان يعلق أمله الخائب بالوصول إلى أطراف بلادكم المصرية، وانتهاز الفرصة على حين غفلة من خلافتكم العلية، والحمد لله الذي كفى بفضله شره، ودفع نقمته وضره، وانصرف ناكصاً على عقبه، خائباً في نيل أربه، كذلك كنا حين سمعنا بسوء رأيه الذي غلبه الله عليه، وما أضمر لخلق الله من الشر الذي يجده في أخراه ظله يسعى بين يديه عزمنا على أن نمدكم من عساكرنا المظفرة بما يضيق عنه الفضا، ونجهز لجهتكم من أساطيلنا المنصورة ما يحمد في إمداد المناصرة ويرتضى، فالحمد لله على أن كفى المؤمنين القتال، وأذهب عنهم الأوجال، ويسر لهم الأعمال، وهيأ لخلافتكم السنية وللمسلمين هناء يتضمن السلامة لكم ولهم على تعاقب الأعوام والسنين.
ويحسب ما لنا فيكم من الود الذي أسست المصافاة بنيانه، والحب الذي أوضح الإخلاص برهانه، وقع تخيرنا فمن يتوجه من بابنا الكريم، لتفصيل مجمله، وتقرير ما لدينا فيه على أتم وجه الاعتقاد وأكمله، على الشيخ، الأجل، الشريف، المبارك، الأصيل الأسنى، الحظي، الأعز، الحاج، المبرور، الأمين، الأحفل، الأفضل، الأكمل، أبي عبد الله محمد، ابن الشيخ الأجل، العز، الأسنى، الأوجه، الأنوه، الأرفع، الأمجد، الآثر، الأزهى الشريف، الأصيل، المعظم، المثيل، الأشهر، الأخطر، الأمثل، الأجمل، الأفضل، الأكمل، المرضي، المقدس، المرحوم أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسني العراقي، وصل الله تعالى سعادته، وأحمل على حضرتكم السنية وفادته، حسب ما يفي بشرح ما حملنا نقله، ويكمل بإيضاحه، لديكم يقظته ونبله، إن شاء الله تعالى، وهو سبحانه وتعالى يديم سعادتكم، ويحفظ مجادتكم، ويسني من كل خير إرادتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجملة الرابعة في عادة الكتب الواردة عن صاحب الأندلس:
والرسم في ذلك أن يكتب الأبواب الشريفة ويصفها، ثم يقول: أبواب السلطان الفلاني ويصفه، ويذكر ألقابه ثم يدعو له، ثم يقول سلام كريم ويصفه، من فلان، ويذكر السلطان المكتوب عنه، ثم يقول: أما بعد حمد الله، ويأتي بخطبة في المعنى تشتمل على التحميد، والتصلية على النبي صلى الله عليه وسلم، والرضا عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم يقول: إنا كتبنا إليكم، ويأتي على ما يناسب المقام، ثم ينخرط في سلك المقصود إلى آخره ويختم بالدعاء.
وهذه نسخة كتاب كتب عن أمير المسلمين السلطان عبد الله محمد بن أبي الحجاج يوسف بن نصر بن الأحمر، صاحب غرناطة، من الأندلس، إلى السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، إنشاء الوزير عبد الله بن الخطيب، صاحب ديوان إنشائه، يشير فيه إلى حادثة الفرنج بالإسكندرية، الواقعة في سنة سبع وستين وسبعمائة، إلا أنه وهم في لقبه الملوكي فلقبه المنصور. وهي:
الأبواب الشريفة التي تعنو لعزة قدرها الأبواب، وتعتزي إلى نسب عدلها الحكمة والصواب، وتناديها الأقطار البعيدة مفتخرة بولائها، واصلة السبب بعلائها، فيصدر بما تشفي الجوى منها الجواب. فإذا حسن مناب عن أئمة الهدى، وسباق المدى، كان منها عن عمومة النبوة النواب، وإذا ضفت على العفاة بغيرها أثواب الصلات، ضفت منها على الكعبة المقدسة الأثواب، أبواب السلطان الكبير، الجليل الشهير، الطاهر الظاهر، الأوحد الأسعد، الأصعد الأمجد، الأعلى العادل، العالم العامل، الكامل الفاضل، الكافل، سلطان الإسلام والمسلمين، رافع ظلال العدل على العالمين، جمال الإسلام علم الأعلام، فخر الليالي والأيام، ملك البرين والبحرين، إمام الحرمين، مؤمل الأمصار الأقطار، وعاصب تاج الفخار، هازم الفرنج والترك والتتار، الملك المنصور أبي الفتوح شعبان ابن الأمير الرفيع المجادة، الكريم النبوة والولادة. الطاهر الظاهر، الكبير الشهير، المعظم الممجد الأسمى، الموقر الأعلى، فخر الملة، سيف الأمة، تاج الإمارة، عز الإسلام، جمال الأيام، قمر الميادين، أسد أجمة لدين، سمام الطغاة والمعتدين، المقدس المظفر، الأمير أبي علي حسين، ابن السلطان الكبير، الشهير، ملك الإسلام والمسلمين، والد السلاطين، سيف خلافة الله في العالمين، ولي أمير المؤمنين، وظهير الدين، سلطان الحج والجهاد، وكاسي الحرم الأمين، قامع المعتدين، قاهر الخوارج والمتمردين، ناصر السنة، محيي الملة، ملك البرين والبحرين، مقيم رسوم الحرمين الشريفين، العادل، العالم، العامل، الطاهر الظاهر، الأسعد، الأصعد الأوحد، الأعلى المنصور، المؤيد المعان، المرفع المعظم، المبجل المؤمل، المجاهد المرابط، الغازي، أبي عبد الله محمد قلاوون، الصالحي أبقاه الله، وفلق الصبح يشهد بكماله، وخدمة الحرمين الشريفين، طراز مذهب على حلة أعماله، ومسورات الإسلام، آمنة على طول الأيام، من إهماله، ولا زال ركناً للدين الحنيف، تتزاحم على مستلمه الشريف، شفاه أماله.
سلام كريم بريم عميم، كما استودعت الرياض أسرارها صدر النسيم، وأرسلت مطالع الفجر أنهارها، من بحر الصباح الوسيم، يسري من الطيب، والحمد المطيل المطيب في الصوان الكرم، ويقف موقف الأدب والفهامة، بما استحفظ من الأمانة إلى محل الإمامة، وقوف الحفيظ العليم، يعتمد مشارع تلك الأبواب الشارعة إلى الفضل العميم، المقابلة لذمام وسائل الإسلام بالصدر المشروح، والبر الممنوح، والقلب السليم. من معظم سلطانه، ومجل شأنه، المفتخر بالانتظام في سلك خلصانه، أمير المسلمين بالأندلس، عبد الله الغني بالله، محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر، بلغه الله من رضاه أقصى سؤله، وأعانه على جهاد عدو الله وعدو رسوله.
أما بعد حمد الله جاعل قلادة الإسلام، على الدوام، آمنة من الانخرام، والانتثار، مفصلة النظام، بخرز المآثر العظام، والآثار، معرف أهلها، في حزن البسيطة وسهلها عوارف الصنع المثار، وإقالة العثار، القوي العزيز، الذي لا يغلب قدره بالاحتشاد والاستكثار، ولا يبدل غيبه المحجوب، بعد ما عين حكمه الوجوب، في خزائن الاستئثار، حتى تظهر خبيئة عنايته بأوليائه، المعترفين بآلائه، بادية للأبصار، فيما قرب وبعد من الأعصار، ورحمته عند الاستغاثة به والانتصار، في مختلف الأقطار والأمصار، الولي الذي لا تكدر هبات فضله شروط الاعتصار، ولا تشين خطب حمده ضرائر الاقتصار والاختصار.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله، نخبة الأكوان، وسر الدهور والأزمان، وفائدة الأدوار، نور الله المتميز باختصاصه، واستصفائه واستخلاصه، قبل خلق الظلمات والأنوار، ورحمته الوارفة الشاملة، الهأمية الهاملة، على الهضاب والوهاد والنجاد والأغوار، أقرب عوالم الشهادة والخلق، إلى حضرة الحق، على تعدد الرتب وتفاضل الأطوار، منقذ الناس من البوار، ومبوئهم من جوار الله خير الجوار، نبي الرحمة والجهاد والغوار المنصور على الأحزاب عندما استداروا بمثوى نبوته على الأطم والأسوار دور السوار، الواعد عن ربه بظهور دينه الحق على الأديان فمهما أوقدوا نار الحرب تكفل الله لهم بإطفاء النار وإخماد الأوار.
والرضا عن آله وأصحابه حماة الذمار، ومقتحمي الغمار، وباذلي كرائم الأموال من دونه ونفائس الأعمار، القائمين على سماء ملته للاهتداء بسننهم، والاقتداء بسننهم، مقام النجوم الهادية والأقمار، ما صقلت مداوس النسيم سيوف الأنهار، وخجل الورد من تبسم البهار، وغازلت عيون زهر المجرة عيون الأزهار، وطرد أدهم الليل أشهب النهار.
والدعاء لتلك الأبواب، المتعددة الحجاب، المعودة باجتلاء غرر الفتوح، والمطالع المشيدة المصانع على العز الممنوح، والأواوين، المؤيدة الدواوين، بالملائكة والروح، بإعلاء المظاهر والصروح، وإنارة الله تعالى بأهلة تلك السروج ساحات تلك السروح، ولا زالت أقلام بشائرها تأتي على سورة الفتح بأكمل الشروح.
فإنا كتبناه لمثابتكم السلطانية دار العز الأحمى والملك الأشرف الأسمى والصيت البعيد المرمى، كتب الله لها من عنايته وقد فعل أوفر مقاسم النعمى، وجعل غيث نوالها الأهمى، وحظ جلالها من الله الأنمى، ودامت كواكب سعودها تمزق جلابيب الظلما، وأخبار بأسها وجودها، وسعادة وجودها، تهديها على البعد ركائب الدأما، وترفرف برياح ارتياحها أجنحة بنات إلما. من منزلنا المحبور، بسعادة سلطانكم المنصور، وخزي عدوه المدحور، بحمراء غرناطة، دار ملك الجهاد بجزيرة ثغر الأندلس، وإلى الله عنها الدفاع، وأنار بمشكاة نوره، الذي وعد بإتمامه الأعلام منها والأيفاع، ووصل لها بشرف مخاطبتكم الارتفاع والانتفاع، حتى تشفع بتهانيكم الأوتار وتوتر الأشفاع، وآلاء الله لدينا، بنعمة دين الإسلام علينا، قد أخجلت اللسان الشكور، وإن استنفدت الرواح والبكور، والثقة بالله في هذا الثغر الغريب قد كثرت العدد المنزور، والحق الصريح قد كافح الزور، والتوطين على الشهادة قد شرح الصدور، واقتطع في الجنة المنازل والدور، والمعرفة بمقام تلك الأبواب الشريفة عقيدة لا تبدل، وأدواح علائها حمائم الحمد بها تتهدل، ومحافل ثنائها تتراكم في سمائها الألوة والمندل والحال ما علمتم: بحر زاجر الأمواج وعدو وافر الأفواج، وحرم لولا اتقاء الله مقتحم السياج، وجياد ضمرتها مصابرة الهياج، وداء على الأيام متوقع الاهتياج، وعدد إلى الإصراخ والإنجاد عظيم الاحتجاج فالنفوس إلى الله تجهز وتسلم، والصبيان في المكاتب تدرب على مواقف الشهادة وتعلم، والألسنة بغير شعار الإسلام لا تنبس غالباً ولا تتكلم، إلا أن عادة الخبير اللطيف، تخفيف الذعر المطيف، ونصر النزر الضعيف، على عدد التضعيف، والحال تجزى بين الحرب والسلم، والمكالمة والكلم، وتأميل الجبر، وارتقاب عاقبة حماة الدبر.
وإلى هذا فإننا اتصل بنا ما رامت الروم من مكيدة التي كان دفاع الله من دونها سداً، والملائكة جنداً، والعصمة سوراً، والروح الأمين مدداً منصوراً، وأنها استنفدت الوسع في احتشادها، حتى ضاقت اللجج عن أعوادها، وبلغت المجهود في استنفادها، حتى غص الكافر البحر بكفارها، يصيح بهم التأليب، ويذمرهم الصليب، وقد سول لهم الشيطان كياد ثغر الإسكندرية شجا صدورهم، ومرمى آمال غرورهم، ومحوم قديمهم، ومتعلل غريمتهم، ليهتموا ثغر الإسلام بصدمتها، ويقودوا جنائب الساحل في رمتها، ويرفعوا عن دينهم المعرة، ويتلقفوا في القدس كرة الكرة، ويقلصوا ما امتد من ظلال الإسلام، ويشيموا سيوف التغلب على الشام، ويحولوا بين المسلمين وبين محط أوزارهم، وحجهم ومزارهم، وبيت ربهم، الذي يقصدونه من كل فج عميق، ويركبون إليه نهج كل طريق، وقبر نبيهم الذي يطفئون بزيارته من الشوق كل حريق، ويكحلون الجفون بمشاهدة آثاره عن بكاء وشهيق، وشوق بذلك الحبيب خليق، ويقطعوا حبل المسلمين حتى لا يتأتى بلوغ فريق ولا غرض تشريق، والله من ورائهم محيط، وبدمائهم مشيط، وبعباده بصير، ولدنيه الحق ولي ونصير، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فما هو إلا أن صمأ جرادهم، وخلص إليهم مرادهم، وفاض عليها بحرهم، وعظم من المحاولة أمرهم، حتى اشترك الشرك بعض أسوارها، ونال النهب مستطرف ديارها، وظنت أنها الوهية التي لا ترفع، والمصيبة التي غلتها لا تنفع، واشتعل الباس، وذعر الناس، وأرى الشدة من تدارك بالفرج، وأعاد إلى السعة من الحرج، وأنشأ ريح النصر عاطرة الأرج، ونصر حزب الإسلام من لا غالب لمن ينصره، وحصر العدو من كان يحصره، وظهر الحق على الباطل، والحالي بزينة الله على العاطل، فخرج العدو الخاسر عما حازه والسيوف ترهقه حيث تلفه، والسهام تثبته وتنفيه، وغرماء كرة الإسلام تستقضي منه دينها وتستوفيه، والخزي قد جلل سباله الصهب، وحناء الدماء قد خضبت مشيخته الشهب، والغلب قد أخضع رقابه الغلب، فكم من غريق أردته دروعه، لما حشي بالورع روعه، وطعين نظمت بالسمهري ضلوعه، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وأحق الله الحق بكلماته وقطع دابر الكافرين، {كم من فئةٍ قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}. فأي رحمةٍ منشورةٍ ضفت على الإسلام ظلالها، وخطة نعمةٍ اتسع نطاقها ورحب مجالها، ومجلى صنيعةٍ راق عيون المؤمنين جمالها، فاهتزت بها الأرض وربت، وبشكر الله جل جلاله أعربت، واستبشرت النفوس، وذهب البوس، وضفا بمنة الله اللبوس، وظهرت عناية الله بمقامكم، وإقالة عثرة الإسلام في أيامكم فما كان الله سبحانه ليضيع لكم خدمة الحرمين، وإنها للوسيلة الكبرى، والذريعة إلى سعادة الدنيا والأخرى، وهي عهدة الله التي يصونها من كل اهتضام، وقلادته التي ما كان يتركها بغير نظام. وكان من لطائف هذا الفتح الذي أجزل البشرى، وأوسع أعلام الإسلام نشراً، وروده بعد أن شفيت العلة، ونصرت الملة، وبعد أن جفا الدهر وتجافى، وعادى ثم صافى، وهجر ووافى، وأمرض ثم عافى، فلو ورد مقدمه قبل تاليه، ونقده متأخراً عن كاليه، أو كانت أواخره بعيداً ما بينهما ومن أواليه، لأوحشت الظنون وساءت، وبلغت الهموم من النفوس ما شاءت، فإن الإسلام كالجسد يتداعى كله لتألم بعضه، ويتساهم إخوانه في بسطه وقبضه، وسماؤه مرتبطة بأرضه، ونفله متعلق بفرضه، فالحمد لله الذي خفف الأثقال وألهم حال الضر الانتقال، وسوغ في الشكر المقال، وزار وأقال، وجمع بين إيقاظ القلوب، وإنالة المطلوب، وإن وجد العدو طعم الإسلام مراً فما ذاقه، وعوداً صلباً فما أطاقه، ورفع عن طريق بيت الله ما عاقه، وقاد إليكم من بيوتكم فضل الجهاد وساقه، ورد المكر السييء على العدو وأحاقه، فما كانت هذه المكيدة إلا داهية للكفر طارقة، ونكثة لعصب التثليث عارقة، ومعجزة من آثار النبي الشريف لهذا الدين المنيف خارقة، واستأصلت للعدو المال، وقطعت الآمال، وأوهنت اليمين والشمال، فبادرنا عند تعرف الخبر، المختال من أثواب المسرة في أبهى الحبر، المهدي أعظم العبر، إلى تهنئتكم تطير بنا أجنحة الارتياح، مبارية للرياح، وتستفزنا دواعي الأفراح، بحسب الود الصراح، وكيف لا يسير اليسار بيمينه، والوجه بجانبه، والمسلم بدينه، وخاطبناكم مهنئين ولولا العوائق التي لا تبرح، والموانع التي وضحت حتى لا تشرح، ومكايدة هذا العدو الذي يأسو به الدهر ويجرح، لم نجتز بإعلام القلم، عن إعمال القدم، حتى نتشرف بالورود على المثابة الشريفة، ونمتاز بزيارة الأبواب المنيفة، فيقضى الفرض تحت رعيها، وبركة سعيها، لكن المرء جنيب أمله، ونية المؤمن أبلغ من عمله، فهنيئاً بما خولكم الله من ظفر شهدت برضى الله مراسمه، وافترت عن الثغور العناية الربانية مباسمه، وتوفرت لديكم مواهبه ومقاسمه، ويهنئ البيت المقدس مكان فضل الله ومنه، وسلامة مجنه، ويهنئ الإسلام عصمة ثغره المؤشر، وطهارة كتابه المنشر، وجمال عنوانه، وقفل صوانه، وباب إيوانه، مرفأ الفسطاط، ومركز لواء الرباط، ومحط رحال الاغتباط، ومتخير الإسكندر عند البناء والاختطاط، ومما زادنا بجحاً بهذا الفتح، وسروراً زائداً بهذا المنح، ما تحققنا أنه يثير من شفقة المسلمين لهذا القطر الذي لا يزال يطرقه ما طرق الإسكندرية على مر الأيام، وتجلب عليه براً وبحراً عبدة الأصنام، بحيث البر موصول، والكفر بكثرة العدد يصول، ونيران الجوار مترائية للعيان، والفراسخ القليلة، متوسطة بين مختلف النحل والأديان، والعدد لا ينسب، والصريح إلا من عند الله لا يحسب، فتنجدنا بالدعاء ألسنة فضلائه، وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه، والله لا يقطع عن الجميع عوائد آلائه، ويعرفنا بركة أنبيائه، وينصرنا في أرضه بملائكة سمائه. لا تبرح، والموانع التي وضحت حتى لا تشرح، ومكايدة هذا العدو الذي يأسو به الدهر ويجرح، لم نجتز بإعلام القلم، عن إعمال القدم، حتى نتشرف بالورود على المثابة الشريفة، ونمتاز بزيارة الأبواب المنيفة، فيقضى الفرض تحت رعيها، وبركة سعيها، لكن المرء جنيب أمله، ونية المؤمن أبلغ من عمله، فهنيئاً بما خولكم الله من ظفر شهدت برضى الله مراسمه، وافترت عن الثغور العناية الربانية مباسمه، وتوفرت لديكم مواهبه ومقاسمه، ويهنئ البيت المقدس مكان فضل الله ومنه، وسلامة مجنه، ويهنئ الإسلام عصمة ثغره المؤشر، وطهارة كتابه المنشر، وجمال عنوانه، وقفل صوانه، وباب إيوانه، مرفأ الفسطاط، ومركز لواء الرباط، ومحط رحال الاغتباط، ومتخير الإسكندر عند البناء والاختطاط، ومما زادنا بجحاً بهذا الفتح، وسروراً زائداً بهذا المنح، ما تحققنا أنه يثير من شفقة المسلمين لهذا القطر الذي لا يزال يطرقه ما طرق الإسكندرية على مر الأيام، وتجلب عليه براً وبحراً عبدة الأصنام، بحيث البر موصول، والكفر بكثرة العدد يصول، ونيران الجوار مترائية للعيان، والفراسخ القليلة، متوسطة بين مختلف النحل والأديان، والعدد لا ينسب، والصريح إلا من عند الله لا يحسب، فتنجدنا بالدعاء ألسنة فضلائه، وتسهمنا خواطر صالحيه وأوليائه، والله لا يقطع عن الجميع عوائد آلائه، ويعرفنا بركة أنبيائه، وينصرنا في أرضه بملائكة سمائه.
وقد كان اتصل بنا في هذه الأيام الفارطة الذخر الذي ملأ اليد استكثاراً، والخلد اعتداداً واستظهاراً، والهمم فخاراً، وأضاء القطر أنواراً، جوابكم الكريم يشم من نفحاته شذا الإذخر والجليل، وتلتمس من خلال حافاته بركات الخليل، وتقرى الوجوه به آثار المعاهد، وتلتمح من ثنايا وفادته بوارق الفوائد، فأكرم به من وافد مخطوب، وزائر مرقوب، صدعنا به في حفل الجهاد انتحاء وافتخاراً، ثم صناه في كرائم الخزائن اقتناء للخلف وادخاراً، وجعلنا قراه شكراً معطاراً، وثناء يبقى في الخافقين مطاراً، ودعاء يعلي الله به لمقامكم السني في أوليائه مقداراً، ويجهز به لملككم كما فعل أنصاراً، ويثيبكم الجنة التي لا يرضى السعداء بغيرها قراراً، والله تعالى يجعل لأفلاك الهناء على مخاطبة مقامكم الرفيع العلاء مداراً، ويقيم الشكر ألزم الوظائف لحقكم ابتداراً، والثناء أولى ما تحلى به مجدكم شعاراً، ويبقيكم للإسلام ركناً شديداً، وظلاً مديداً، وسماء مدراراً، ما استأنفت البدور إبداراً، وعاقب الليل نهاراً، والسلام.
المقصد الثالث في رسم المكاتبات الواردة عن ملوك السودان:
وفيه ثلاثة أطراف:
الطرف الأول في المكاتبات إلى صاحب مالي:
وهو المستولي على التكرور وغانة وغيرهما، وهي أعظم ممالك السودان المسلمين مملكة، ولم أقف لأحد منهم على صورة مكاتبة إلى الأبواب السلطانية، إلا أن المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار عند الكلام على هذه المملكة تعرض لذكر سلطانها في زمان الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو منسى موسى، وذكر أنه ورد منه كتاب يمسك لنفسه فيه ناموساً ولم يورد نسخته.
الطرف الثاني في المكاتبة الصادرة عن صاحب البرنو:
ورسم مكاتبته أن يكتب في ورق مربع بخط كخط المغاربة، فإن فضل من المكاتبة شيء كتب بظاهرها، وتفتتح المكاتبة بخطبة مفتتحة بالحمد، ثم يتخلص إلى المقصد ببعدية، ويأتي على المقصد إلى آخره، ورأيته قد ختم مكاتبته إلى الأبواب السلطانية بقوله: والسلام على من اتبع الهدى. وكأن ذلك جهل من الكاتب بمقاصد صناعة الإنشاء، إذ لا يهتدون إلى حقائقها.
وهذه نسخة كتاب ورد علىالملك الظاهر أبي سعيد برقوق ووصل في شهور سنة أربع وتسعين وسبعمائة، صحبة ابن عمه، مع هدية بعث بها إلى السلطان بسبب ما يذكر فيه من أمر عرب جذام المجاورة لهم، وهي في ورق مربع، السطر إلى جانب السطر، بخط مغربي، وليس له هامش في أعلاه ولا جانبه، وتتمة الكتاب في ظهره من ذيل الكتاب وهو: بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً.
الحمد لله الذي جعل الخط تراسلاً بين الأباعد، وترجماناً بين الأقارب، ومصافحة بين الأحباب، ومؤنساً بين العلماء، وموحشاً بين الجهال، ولولا ذلك لبطلت الكلمات، وفسدت الحاجات. وصلوات الله على نبينا المصطفى، ورسولنا المرتضى، الذي أغلق الله به باب النبوة وختم، وجعله آخر المرسلين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ما ناحت الورق وما عاقب الشروق الأصيل. ثم بعد ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين.
من المتوكل على الله تعالى، الملك، الأجل، سيف الإسلام، وربيع الأيتام، الملك المقدام، القائم بأمر الرحمن، المستنصر بالله المنصور في كل حين وأوان، ودهر وزمان، الملك، العادل، الزاهد، التقي، النقي، الأنجد، الأمجد، الغشمشم، فخر الدين، زين الإسلام، قطب الجلالة، سلالة الكرماء، كهف الصدور، مصباح الظلام أبي عمرو عثمان الملك، ابن إدريس، الحاج أمير المؤمنين المرحوم، كرم الله ضريحه، وأدام ذرية هذا بملكه هذا اللفظ وارد على لسان كاتبنا لآلنا ولا فخر، إلى ملك مصر الجليل، أرض الله المباركة أم الدنيا.
سلام عليكم أعطر من المسك الأذفر، وأعذب من الماء الغمام واليم، زاد الله ملككم وسلطانكم، والسلام على جلسائكم وفقهائكم وعلمائكم، الذين يدرسون القرآن والعلوم، وجماعتكم وأهل طاعتكم، أجمعين.
وبعد ذاك، فإنا قد أرسلنا إليكم رسولنا، وهو ابن عمي، اسمه إدريس بن محمد من أجل الجائحة التي وجدناها وملوكنا، فإن الأعراب الذين يسمون جذاماً وغيرهم قد سبوا أحرارنا، من النساء والصبيان، وضعفاء الرجال، وقرابتنا، وغيرهم من المسلمين، ومنهم من يشركون بالله، يمارقون للدين، فغاروا على المسلمين فقتلوهم قتلاً شديداً، لفتنة وقعت بيننا وبين أعدائنا، فبسبب تلك الفتنة قد قتلوا ملكنا، عمرو بن إدريس الشهيد، وهو أخونا ابن أبينا إدريس الحاج ابن إبراهيم الحاج، ونحن بنو سيف بن ذي يزن، والد قبيلتنا، العربي القريشي، كذا ضبطناه عن شيوخنا وهؤلاء الأعراب قد أفسدوا أرضنا كلها في بلد برنو كافة حتى الآن، وسبوا أحرارنا وقرابتنا، من المسلمين، ويبيعونهم لجلاب مصر والشام وغيرهم، ويختدمون ببعضهم، فإن حكم مصر قد جعله الله في أيديكم من البحر إلى أسوان، فإنهم قد اتخذوا متجراً، فتبعثوا الرسل إلى جميع أرضكم وأمرائكم، ووزرائكم، وقضاتكم، وحكامكم، وعلمائكم، وصواحب أسواقكم، ينظرون ويبحثون ويكشفون، فإذا وجدوهم فلينزعوهم من أيديهم، وليبتلوهم، فإن قالوا نحن أحرار ونحن مسلمون، فصدقوهم ولا تكذبوهم، فإذا تبين ذلك لكم فأطلقوهم، وردوهم إلى حريتهم وإسلامهم، فإن بعض الأعراب يفسدون في أرضنا ولا يصلحون، فإنهم الجاهلون كتاب الله وسنة رسولنا، فإنهم يزينون الباطل، فاتقوا الله واخشوه ولا تخذلوهم يسترقوا ويباعوا، قال الله تعالى: المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقال الله تعالى لنبيه عليه السلام: فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم. وقال الله تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. وكان عليه السلام يقول: «السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم» وقال: «المؤمنون كالبيان يشد بعضهم بعضاً إلى يوم القيامة». وقال: «المؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه» إلى آخره. وفي الحكمة: ومن الفرائض الأمر بالمعروف على كل من بسطت يده في الأرض أراد به السلاطين وعلى من تصل يده إلى ذلك أراد بذلك القضاء والحكام والأمراء فإن لم يقدر فبلسانه، أراد بذلك الفقهاء والعلماء وإن لم يقدر فبقلبه، أراد بذلك عامة المسلمين أطال الله بقاءكم في أرضكم. فازجروا الأعراب المفسدين عن دعرهم، قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين، وقال عليه السلام: كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته. وقال في الحكمة لولا السلطان لأكل بعضهم بعضاً. وقال تعالى لنبيه داود عليه السلام: يا داود، إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب. والسلام على من اتبع الهدى. ولم يؤرخ.
الطرف الثالث في المكاتبات الصادرة عن ملك الكانم:
ولم أقف له على المكاتبة إلا أنه يشبه أن تكون المكاتبة عنه نظير المكاتبة عن صاحب البرنو فإنه على قرب من مملكته. والله أعلم.
المقصد الرابع في الكتب الواردة من الجانب الشمالي:
وهي بلاد الروم، قد تقدم ذكر المكاتبة إلى أمرائها وأن كبيرهم الذي صار أمرهم إليه وانقادوا إلى طاعته الآن هو ابن عثمان صاحب برسا.